الرأي اليوم
حتى تبقى السيادة للأمة
من حقّ كلّ كويتي أن يُعبّر عن رأيه في موضوع تعديل الدستور وتطويره، أو تعطيله وتجاوزه والالتفاف على بعض بنوده.
هذا ما يُميّز الكويت عن غيرها كونها دولة الحريات والديموقراطية المُرتكزة على حقوق الإنسان بمختلف أشكالها، ولذلك نعتبر أن كل سجال إيجابي مُتحضّر في هذا الموضوع إنما يعطي وقوداً إضافياً لمسيرة التغيير.
إنما من حقّ الكويتيين علينا أن تُقال الأمور كما هي أيضاً، فالبلاد تمرّ بحالة تراجع غير مسبوقة في كل المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وعلى مستوى كل القطاعات الخدمية.
مُؤشّرات الأداء السياسي من صفر إلى ما تحت الصفر. أداء المُؤسّسة التشريعية يتأرجح بين التراجع والتخلّف، التعليم؟... الضرب بالميت حرام. الصحة تتحوّل من رسالة لإنقاذ البشر إلى منطقة تنازع على الواسطات والصفقات.
الاقتصاد أسير «كتابنا وكتابكم».
الاستثمارات والجذب والسياحة والترفيه والمشاريع تبدو كلّها داخل زنزانة فيها نافذة تُطلّ على التحوّلات الإيجابية المُذهلة لدول مجلس التعاون الخليجي التي لم تكن تحتاج إلا إلى... قرار.
أجيال كويتية نشأت وهي تسمع كلّ جهة تلقي الملامة على جهة أخرى. المجلس يتّهم الحكومة والحكومة تتّهم المجلس، وأحياناً المجلس يتّهم المجلس والحكومة تتّهم الحكومة، بل رأينا داخل الوزارة نفسها صراعات بين مسؤوليها انعكست وتمدّدت إلى كلّ المشهد السياسي وعطّلت قرارات مُهمّة لآجال طويلة بينها على سبيل المثال لا الحصر قانون الستين المُتعلّق بالوافدين.
هذا الوضع سيستمرّ في السوء والانحدار إن لم نضع الإصبع على الجُرح وننتقل من التشخيص والتفصيل والنقد وجلد الذات إلى الحلول.
الكويت بعد دستور 1961 أصبحت وفق ما نصّت عليه المادة السادسة محكومة بنظام حكم ديموقراطي السيادة فيه للأمة مصدر السلطات جميعاً.
هذه النقطة هي السقف الذي لا يجوز اختراقه من أيّ كان.
هي الأساس وعمود الخيمة الذي إن تعرّض للمساس تخلخلت كلّ الأسس. لقد تراضينا، حكاماً ومحكومين، بهويّة الدولة وصارت هويّة شعبها أيضاً ولن يرضى أحد بأن تتغيّر هويّته.
نعترف أن جزءاً كبيراً من مشاكلنا سببه التطبيق الخاطئ للدستور، وفي المقابل، يجب أن نعترف أن جزءاً كبيراً من مشاكلنا أيضاً سببه أن دستورنا شاخ وأصبح بحاجة إلى التطوير شأننا في ذلك شأن الدول الأعرق منا بالحريات والديموقراطية التي تجري تعديلات دستورية في كلّ فترة لمواكبة العصر ومُتغيّراته وحاجات شعوبها.
وقبل أن تبدأ عبارات الاستهجان، نُؤكّد أن المادتين 174 و175 من الدستور نفسه كفلتا هذا التعديل والتطوير عبر آلية مُعيّنة تسمح لأمير الدولة وثلث أعضاء مجلس الأمة الخوض في هذا الأمر لمزيد من ضمان الحريات والمساواة.
الدستور حدّد بنفسه كيفية وأسلوب تطويره.
بدل نقل الموضوع الدستوري نفسه إلى إطاره المستقبلي الجامع، نجد من يدخله في الإطار المرحلي المفرق ويستخدمه في لعبة التجاذب السياسي وتصفية الحساب وادعاءات البطولة التي سئم الكويتيون حضورها مُنتظرين حلولاً غائبة.
الحلول تبدأ بعقد مؤتمر وطني جامع يضم جميع الشخصيات الوطنية والسياسية والقانونية والدستورية والاقتصادية، المعارضة والموالية، لبحث الصيغة الأفضل لتطوير الدستور والخروج بتوافق الغالبية على آراء مُحدّدة ترفع لوليّ الأمر.
ويمكن القول من باب الاقتراحات الواقعية إن تطوير الدستور يجب أن يرتكز على أمرين أساسيين: تعديل النظام البرلماني بشكل جذري لتلافي العيوب السابقة التي أفرغت المُؤسّسة التشريعية من منطق رجال الدولة لمصلحة الفردية والقبليّة والطائفيّة.
أي أن نستعيد دور البرلمان الرقابي والتشريعي على مستوى الأمة بدل تحوّل ممثلي الأمة إلى ناطقين باسم مناطقهم وطوائفهم وقبائلهم وأحياناً وكلاء تخليص معاملات وأرباب صفقات وتسويات مع الحكومة.
وتوسيع رقعة الرقابة الدستورية للحدّ من السلطات المطلقة لبعض الجهات، أو بمعنى آخر زيادة الحقوق السياسية للأمة والشعب في الصلاحيات التنفيذية وإدارة أمور الدولة.
لقد آن للكويت أن تخضع كل الأمور فيها للأنظمة والقوانين لتثبيت العمل المؤسسي، ولم يعد جائزاً أن تبقى أمور أساسية وجوهرية تتعلّق بصلب التطور الإداري وتسيير أمور الناس رهينة قرار فردي قائم على مبادئ الثقة الشخصية والولاءات لا على الكفاءة الشخصية والخبرات... ولن نزيد أكثر في هذا المجال لأن الجملة «تدل دربها».
التعديلات المطلوبة للتطوير كثيرة إنما جوهرها المبدآن السابقان، وأهل الخبرة أقدر على تبيان التغييرات المرتبطة بتلبية حاجات الكويتيين.
وأهم ما سيتمخّض عنه المؤتمر الوطني إرادة جامعة «علنية» لمرحلة تأسيسيّة جديدة بحيث لا يعود هنالك مكان لمنافقين يحرّضون القيادة في السرّ على الدستور والحريات والديموقراطية ويفردون عضلاتهم لاحقاً في المنتديات العامة ووسائل الإعلام كمدافعين عن الوضع الراهن ومُحذّرين من تغييره.
«نظام الحكم في الكويت ديموقراطي، السيادة فيه للأمة مصدر السلطات جميعاً»... هذا هو الثابت لنا جميعاً، حكاماً ومحكومين، ولذلك فالتطوير مطلوب لأننا نريد أن يبقى النظام وتبقى الديموقراطية وتبقى السيادة وتبقى السلطات وتبقى... الكويت.