ضغوط ومساومات من مختلف الأنواع على المديرين للسماح به

«واسطات» لـتسهيل «الغش»... في الاختبارات؟!

تصغير
تكبير

أن تتوسط لإنجاز معاملة متوقفة بسبب بعض الإجراءات الحكومية المعقدة، أو تسعى إلى تمرير أخرى متعثرة بسبب البيروقراطية المتبعة، أو تحاول إيجاد ثغرة في القانون لمساعدة حالة إنسانية استثنائية من باب «تفريج الكرب»، فهذا أمر متعارف عليه في كل المجتمعات، وقد يتفهمه صانع القانون ذاته ومصدر القرار، فلا يرى بأساً في الاستثناء، لكن أن يتم التوسط لمساعدة طالب في الغش أثناء الاختبارات، فهذه آخر صيحات الواسطة في الكويت، وأكثرها غرابة ودهشة.

واسطات الغش في الاختبارات بدأت تتسع لتأخذ صفة مجتمعية، حيث يتعرض كثير من مديري المدارس إلى ضغوط ومساومات من مختلف الأنواع شعبياً ومجتمعياً للتغاضي والسماح بالغش في مدرسته، وسط تأكيدات تربوية تشدد على «أن كل الأرباح التي قد تُجنى من باب المساومات لا تساوي شيئاً أمام خسارة النفس وبيع الضمير، لأنه دمار للطالب وتدمير للتعليم وهدم لأركان المؤسسات التربوية من الأساس».

«الراي» سلّطت الضوء على هذه القضية، وبحثت مع بعض الأكاديميين والقياديين التربويين الحاليين والسابقين خطر ظاهرة الغش على المجتمع والطالب معاً، حيث أكدوا أن الغش يضر الطالب ويقوده إلى التعثر الدائم، كما أنه ينشر الفساد في المجتمعات ويخلق الطالب الاتكالي، مطالبين بضرورة الحد من هذا الأمر، والقضاء على هذه الثقافة السيئة العجيبة التي تؤدي إلى اختلال الموازين، وتلغي العدالة بين الطلبة، وتقضي على تكافؤ الفرص بينهم، منادين بالعمل على التنوع في أساليب الاختبارات، وجعل التحصيل هو الميزان لمكافحة هذه الآفة المدمرة التي تفرز نتائج غير حقيقية.

«تدمرون أبناء الكويت بهذا السلوك... مستواهم في الجامعات يدعو للشفقة»

بدر العيسى: ظاهرة فرضت على أبنائنا بمساعدة أولياء الأمور وبعض السياسيين

بدر العيسى

أكد وزير التربية الأسبق الدكتور بدر العيسى «أن الغش ثقافة مرفوضة بكل المقاييس وفرضت على أبنائنا مع الأسف من ولاة أمورهم ومن بعض السياسيين، حتى أصبحت واقعاً وحقاً يطالب به هؤلاء لتزييف الحقائق والنتائج».

وأضاف العيسى «تعكس هذه الثقافة الوضع القائم في المجتمع والفساد المتغلغل في كل أركان المؤسسات الحكومية دون مساءلة أو تطبيق للقانون الرادع لهذه الممارسات»، متابعا «حتى الأحكام القضائية تصدر مخففة على هؤلاء، وهذا الوضع المشين أصبح يغرس من بعض الأسر في عقول أبنائهم في المراحل الدراسية وفي أسلوب حياتهم فأصبح حقاً مشاع لهم تدعمه أسرهم لنيل درجات عالية في الاختبارات عن طريق القوة ( الغش بكل وسائلة) وفي كل المراحل».

واستغرب متسائلا «كيف يمكن أن نبني الانسان الكويتي كي يمارس دوره في التنمية بكل أنواعها، ونحن نغرس فيهم هذه الثقافات المشينة والمدمرة لمستقبل النشء والقائمة على أعمدة هشة تسقط من أقل هبة ريح تغييرية وتجعلنا في ركب المتخلفين حتى عن جيراننا من المجتمعات؟».

ولفت إلى أن «النشء هو الوقود المحرك لتحسين مشاريعنا وبرامجنا التنموية، لا محالة وهؤلاء الطلبة سيتعثرون في دراستهم الجامعية، ونحن نشاهدهم في الجامعات داخل الكويت ومستواهم التعليمي متدن ويدعو الى الشفقة لحالهم، هذا حصاد ما زرعتم في أبنائكم فلذات اكبادكم وتظنون أنكم بهذا العمل وتسهيل الغش لهم هو رعاية أو تحقيق مكاسب لكم ولهم».

وخاطب أولياء الأمور قائلا «أنتم تدمرون أبناء الكويت دون أي مسؤولية، ومن واجب ومهام وزارة التربية تطبيق لائحة الغش والتصدي بكل حزم للذين يسهلون عمليات الغش في الاختبارات، سواء كانوا أسر الطلبة أو نواباً أو قياديين في الوزارة، ويجب ان يضعوا نصب أعينهم مستقبل أبنائهم ومستقبل بلدهم، كما نتمنى من الجهات القضائية ألا تتهاون في إصدار أحكام قضائية رادعة كي تحد من هذه التصرفات المهددة لأمن المجتمع ونكرر الحقيقة التي دائماً نذكرها وهي: لا يمكن أن نصلح المسار التعليمي وكل أوجه الرعاية إلا بتضافر كل الجهود المجتمعية بدءاً من الطالب وصولاً إلى أعلى سلطة في البلد».

أمثال الحويلة: جريمة وآفة اجتماعية شاركت بها الأسرة في التعليم عن بُعد

أمثال الحويلة

أكدت أستاذة علم النفس في جامعة الكويت الدكتورة أمثال الحويلة أن الغش في الامتحانات ظاهرة تعاني منها المنظومة التعليمية، فعلى الرغم من تشديد العقوبات وإصدار القرارات فضلاً عن التحذيرات المتكررة والتي تؤكد عدم التهاون مع سلوك الغش، إلا أن هذا الأمر يتكرّر عبر كل الوسائل في تحد صريح لكل هذه القرارات والتحذيرات.

وأضافت الحويلة، أنه من الواضح أن شريحة كبيرة من أولياء الأمور أصبحت تبحث فقط عن نجاح أبنائها والحصول على الشهادة بغض النظر عن كيفية حصوله على تلك الشهادة ودون تقييم حقيقي لمستوى الطالب التعليمي، ويرجع ذلك لأسباب عدة منها: الكسل وعدم الاهتمام بالدراسة والإعداد الجيد للمواد، ما يدفع الطالب للجوء إلى أسهل الوسائل وهي الغش لتدراك هذا الأمر ما يضيع معه مبدأ تكافؤ الفرص بين الطلبة.

وبينت أن هذا السلوك يعتبر خيانة وعدم أمانة وفقداناً تاماً للثقة بين الطالب وزملائه، فالغش سلوك يهدف إلى تزييف الواقع لتحقيق كسب غير مشروع، مشيرة إلى أن الغش بات من المشكلات المستفحلة وامتدت أيضاً عبر الوسائل الالكترونية ومنصات التعليم، وأصبح الطالب الذي يمارس الغش في الامتحانات مظهراً من مظاهر عدم الشعور بالمسؤولية وإفساداً للعملية التعليمية وتضليلاً لموضوع القياس ومن ثم عدم تحقيق الهدف الأساسي للتقويم.

وأوضحت أن تشجيع أولياء الأمور أبنائهم على الغش يأتي سعياً لمساعدتهم على تخطي عقبات مصيرية بمعدلات عالية وبأقصر الطرق، وهذا ما يتنافى مع الأخلاق الحميدة التي دعا إليها ديننا الإسلامي الحنيف، بل ويقوم هؤلاء الآباء والأمهات بجعل أبنائهم لصوصاً ينتهكون قيم المجتمع بأسره، وتجلت ظاهرة الغش وقيام أولياء الأمور بمساعدة أبنائهم من خلال فترة التعليم عن بعد، إبان تفشي فيروس كورونا، ومساعدة أبنائهم في الغش عبر ممارسات خاطئة حتى أصبح الغش ظاهرة مجتمعية يجب التصدي لها بكل حزم وبكل قوة.

ودعت إلى ضرورة اتخاذ التدابير اللازمة للحد من هذه الظاهرة المقيتة وإعادة النظر في تربية الأبناء على استشعار رقابة الله والوازع الديني، وتفعيل دور أولياء الأمور لتخليص أبنائهم من تلك الآفة وتشجيع الطالب على الدراسة وتحفيزه وتغليط العقوبات على الفاسدين ووضع عقوبات صارمة تجاه كل طالب غشاش.

واستعرضت الدكتورة الحويلة 8 آثار للغش مدمرة للفرد والمجتمع وهي كما يلي:

1 - يعد جريمة وآفة اجتماعيه تؤثر على الفرد في حياته المستقبلية ولا يتوقع أن يكون أميناً ومستقيماً في عمله.

2 - ينمي عملية العنف والنهب والسرقة والسطو على ممتلكات وحقوق الآخرين.

3 - يؤدي إلى تدهور العلاقات الاجتماعية وإقامة حواجز كثيرة أمام التنمية البشرية والرقي والتقدم.

4 - يؤدي إلى سوء التربية والتفسخ الأخلاقي وضعف الثقة في النفس.

5 - تدهور الأوضاع الاجتماعية بسبب زعزعة الثقة والخروج عن القيم والمعايير الشرعية.

6 - انتشار الفساد وتفشي ظاهرة الطمع والأنانية وسلوك منهج الغاية تبرر الوسيلة.

7 - مخالفة النصوص الدينية الشرعية المحرمة للغش بكل أشكاله وأنواعه، حيث قال الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - «من غشّنا فليس منا».

8 - خلق جيل ينأى عن المسؤولية والرقابة في ظل غياب الوعي لدى الطالب وأولياء الأمور معاً.

عبدالله المزروعي: لنستبدل ثقافة الغش بالاستثمار البشري

عبدالله المزروعي

العميد السابق لكلية الدراسات التكنولوجية في الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب الدكتور عبدالله المزروعي قال لـ«الراي»، «إن هذا الأمر يضر الطالب أولاً ثم يؤثر على المجتمع كون الطالب غير متمكن من المادة العلمية، وبالتالي لن يمكنه من دخول التخصص المناسب، إضافة إلى تعثره الدائم في المستقبل وحاجته الملحة إلى الواسطة لأنه لم يعتمد على نفسه».

ووصف المزروعي «ظاهرة التوسط للمساعدة في الغش بأنها ثقافة خطيرة تتطلب تعاون كل الجهات ذات الصلة لتغييرها إلى ثقافة الاجتهاد والتنمية البشرية في أبنائنا الذين هم أساس الاستثمارات والثروة البشرية وسواعد الوطن، مشدداً على ضرورة بناء الطالب فهو موظف المستقبل والمسؤول ويجب أن يبنى على قواعد سليمة».

محمد الكندري: الأفضل التنوع في أساليب الاختبارات

محمد الكندري

وصف الوكيل الأسبق للتعليم العام في وزارة التربية محمد الكندري لـ«الراي» ظاهرة الغش بأنها عالمية، ومن الصعب الحد منها في ظل التطور السريع للتكنولوجيا، لكن الأفضل تنويع أساليب الاختبارات وآلية التقييم بحيث لا نجعل مستقبل الطالب ودخوله إلى الجامعة متوقفاً على درجة الاختبار.

ورأى الكندري ضرورة عدم إعطاء الاختبار ذلك الوزن والقيمة وأن يكون مقياساً لدخول الجامعة في التحصيل التراكمي للطالب نفسه والذي يعد الميزان العالمي الحقيقي وليس درجة الاختبار التي لا يمكن الاعتماد عليها في قياس مستوى الطالب.

مريم المرزوقي: ثقافة عجيبة تؤدي إلى اختلال الموازين

مريم المرزوقي

أكدت مديرة إدارة التقويم وضبط جودة التعليم في وزارة التربية الدكتورة مريم المرزوقي، أن انتشار الواسطة في الغش خلال فترة الاختبارات ثقافة جديدة عجيبة ستؤدي إلى اختلال الموازين وتسهم بشكل فعّال ورئيسي في انتشار الفساد في المجتمعات حيث يخرج الطالب الاتكالي الخامل في كل شيء.

وقالت المرزوقي، «إن هذه الثقافة التي بدأت تنتشر في الأوساط التربوية سيتم بموجبها وضع الإنسان غير المناسب في المكان غير المناسب، مما يؤدي إلى ظهور كثير من المشكلات والعثرات في معظم الجهات الحكومية والخاصة، وأهمها إسناد الأمر إلى غير أهله وما يترتب على ذلك من إخفاقات كبرى وفشل وضعف في الإنتاج».

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي