مرّ التعليم في مراحل تطور عديدة في الحياة البشرية على مدى السنين. ففي العصر الحجري كان الإنسان يتعلم ممن هم أكبر منه عمراً وخبرة مهارات العيش الأساسية مثل الصيد، صناعة السكاكين والأدوات البسيطة، الطبخ وغيرها من المهارات. فكان التركيز في تلك الفترة على التعليم التطبيقي بشكل رئيسي، تعلم وطبق ما تعلمته.
وتطور التعليم بعد ذلك مروراً بعصور الفلاسفة الذين أضافوا إلى التعليم الجانب النظري والمعلوماتي الذي ينمي ويطور المخ والعقل بشكل رئيسي ويزيد من معرفة الإنسان.
واستمر الوضع بوجود هذين النوعين من التعليم (النظري والتطبيقي) حتى يومنا هذا في ظل وجود العديد من الجامعات والكليات ووزارات التربية والتعليم ومراكز التدريب وغيرها من الجهات التي تقدم هذين النوعين من التعليم.
ولما زاد الإقبال على التعليم وضاقت المساحات المكانية والقاعات الدراسية المخصصة لكل متعلم، جاءت فكرة نقل طريقة التعليم إلى الشكل الإلكتروني (أونلاين) الذي لا يتطلب الحضور شخصياً لمكان التعليم للحصول على المعلومة، وأخذت العديد من المؤسسات التعليمية بتطبيق هذا النوع كحل آخر لتقديم المنهج الدراسي للمتعلمين.
في زمن وباء «كورونا» فُرض علينا نظام التعليم (أونلاين) في دولة الكويت وكل دول العالم كحل بديل (بشكل استثنائي) عن إغلاق المؤسسات التعليمية لصعوبة التواجد في القاعات الدراسية والاختلاط مع الآخرين، ولنقف هنا لتقييم تلك التجربة التي قامت بها وزارة التربية في عملية التعليم (أونلاين) في جميع مؤسساتها التعليمية (المدارس الخاصة والحكومية - الجامعة - التطبيقي).
نجد أن تطبيق تلك الأنظمة لم يكن وفق معايير وجودة عالية تضمن التحصيل العلمي للمتعلم، فقد كانت تجربة التعليم (الأونلاين) في وزارة التربية سيئة بشكل كبير حيث إنها لم تحقق الغاية (وهو التحصيل العلمي للمتعلم)، ولا حافظت على جودة تقديم المنهج الدراسي، فكانت الممارسات عشوائية بحته غير مدروسة، فلم نركز على غاية التعليم (الأونلاين) التي هي توصيل المنهج العلمي بشكل كامل وواضح للمتعلم باستخدام الاتصال عن بعد، بل تم تقليص وتبسيط المناهج، بل حتى عدم الاهتمام أو متابعة انتباه المتعلمين أثناء الشرح، فكان المعلم (في الغالب) يقدم المحاضرة بشكل سرد بحت ثم إنهاء الاتصال، بل وحتى المتعلمون لم يكونوا جادين في التحصيل العلمي عن طريق هذه الوسيلة وفضلوا استغلال هذه الظروف في اللعب والتساهل عن الدراسة.
لماذا حصل ذلك؟ ببساطة لأننا لم نتبنَ هذا النوع من التعليم كثقافة مجتمعية في السابق (ومازلنا).
لم ندرك بعد أهمية التعليم (أونلاين) وكيفية استخدامه، فالتعليم (أونلاين) هو رديف ومساند للعملية التعليمية الأساسية وليس بديلاً له، فعن طريق منصات التعليم (أونلاين) يستطيع الطالب تقديم تكاليفه المدرسية للمعلم من دون الحاجة لإحضارها معه في المدرسة، يستطيع الطالب التواصل مع المعلم بشكل رسمي (موثق ومحفوظ في النظام) حول المنهج وأدائه في الفصل الدراسي، يستطيع المعلم إرسال الواجبات ورصد الدرجات للمتعلمين وغيرها من التسهيلات التي تقدمها تلك المنصات.
ولكنها لن تغني عن العملية التعليمية الأساسية في القاعة الدراسية أبداً.
فهو نظام رديف ومساند للعملية التعليمية يتم الاستفادة منه لرفع كفاءة وجودة التعليم وليس نظاماً تعليمياً قائماً بذاته، خصوصاً إذا كانت المادة التعليمية هي مادة تطبيقية (النوع الأول من التعليم الذي ذكرته مسبقاً) كتخصص التربية الفنية، طب الأسنان، الطب البشري، التمريض، هندسة ميكانيكية وغيرها من التخصصات التي تتطلب الحضور بشكل رسمي حتى يتم التحصيل العلمي بشكل كامل.
لكم أن تتخيلوا آثار تخريج خريجين في هذه التخصصات لم يمارسوا (ولو قليلاً) المهنة بشكل عملي خلال فترة دراستهم...