آن أوان التحرر من معايير السلطتين

تصغير
تكبير
افتتحت السلطتان العام 2010 بأزمة اسقاط فوائد القروض، وتبادل الطرفان الاتهامات، فالحكومة ترى ان النواب يدغدغون مشاعر الناخبين على حساب المالية العامة للدولة، والنواب يرون ان الحكومة تدير ظهرها للشعب وتوزع «خير الكويت» على دول صديقة وشقيقة.

اسقاط الفوائد نموذج واحد فقط من عشرات النماذج الدالة على غياب معايير الانجاز والتنمية لدى الكويتيين اولا ثم لدى السلطتين ثانيا، ففي ظل السجال المستمر والنزاع المستمر والجمود المستمر منذ نحو عقدين، نما جيل بكامله لا يعرف كيف يصنف الانجاز او التنمية سوى من خلال انفراج العلاقة بين السلطتين لفترة وجيزة او من خلال القوانين التي تتحدث عن رفع المداخيل والتعويضات والتجنيس... بل ربما لا نجافي كثيرا الموضوعية اذا قلنا ان هناك من يرى في ترحيل العطلات الى ايام العمل إذا صادفت ايام العطلات الاسبوعية انجازا ولو في حدوده الدنيا.

الحكومة تتهم المجلس ومعها جزء كبير من الكويتيين بتعطيل التنمية ووضع العصيّ في عجلات قطارها. والمجلس يتهم الحكومة ومعه جزء كبير من الكويتيين بالعجز عن تنفيذ خطط التنمية ورمي كرة الاخفاق دائما في ملاعب الآخرين. والناس باتت اسيرة هذين الاتهامين اللذين شكلا بدورهما جزءا من المعايير المزيّفة للتنمية.

على الجانب الآخر، هناك من رأى أن التنمية ترتكز على معيار الخطط والدراسات فقط، ويمكن ان تجهز الحكومة او اي جهة اخرى دراسات من عشرات ومئات الصفحات تتحدث عن تحويل الكويت الى مركز مالي واقتصادي في المنطقة وتتضمن بناء مدن واقامة ابراج وحفر الانفاق وتشييد الجسور الطائرة وتسيير القطارات وتأمين عشرات آلاف الوحدات السكنية... كلام نظري جميل يمكن ان نستنسخه من اي خطة طموحة في اي دولة اخرى مع تغيير اسماء الدولة والمدن والشوارع.

العلاقة بين السلطتين ليست معيارا للتنمية ولن تكون، والخطط النظرية الطموحة ليست معيارا للتنمية ولن تكون. المعيار الاول والاخير هو حجم افادة المواطن الكويتي مباشرة من اي مشروع يتعلق بتطوير الخدمات الضرورية لبناء حاضر جيد ومستقبل افضل لأولاده.

بمعنى آخر، يمكن أن يستفيد المواطن الكويتي مباشرة من تطوير القطاع الصحي إذا أحسن مسؤولو وزارة الصحة تفعيل الادوات التي بين اياديهم من قوانين وتشريعات وممارسات إدارية صارمة توقف الاهمال والهدر وتقيم مبدأ الثواب والعقاب، فيتم توسيع المستشفيات والمستوصفات الموجودة حاليا ويستقدمون افضل الاطباء واحدث الاجهزة. ويمكن ان يستفيد المواطن مستقبلا من خلال البدء من الآن بتنفيذ خطط تطوير شاملة للقطاع الصحي عبر الشروع في بناء احدث المستشفيات والتعاقد منذ الآن مع كبريات كليات الطب والمستشفيات في العالم على اتفاقات مشتركة للتعاون بما يشمل الابحاث والدراسات والتدريب والتأهيل واستقطاب الاطباء والتجهيز بأحدث المعدات التقنية الطبية.

الإمكانات موجودة والأراضي والموازنات والجهات الخارجية مستعدة دائما للتعاون بل من مصلحتها ان يحصل التعاون. وعليه يمكن القول إن معايير التنمية في ما يتعلق بالقطاع الصحي لخدمة الحاضر وتنفيذ مشاريع مستقبلية قد استقامت من خلال افعال ملموسة لا من خلال شعارات ونظريات... وأهم هذه المعايير ان يصبح القطاع العام الصحي في الكويت افضل من القطاع الخاص مع ترك المنافسة تتصاعد لخدمة الناس لا لأهداف تجارية فقط.

وما ينطبق على الصحة ينطبق على التعليم، وما لم يصبح التعليم في المدارس الحكومية افضل من التعليم في المدارس الخاصة لا يمكن القول ان للتنمية معايير، خصوصا ان امكانات الكويت والحمد لله كبيرة وان المتخصصين والباحثين في مجالي التربية والتعليم موجودون في الكويت وخارج الكويت. ربما تنقص المسؤولين والمعنيين بالشأن التربوي ارادة التغيير والانطلاق نحو الافضل، والارادة نفسها جزء ايضا من معايير التنمية لكننا نتحدث عنها ولا نملكها وبالتالي لا نراها.

أما عن الخدمات الاخرى فحدث ولا حرج. ويكفي ان نختصرها بالحديث عن البريد الذي يرسل الينا كل يوم رسالة ممهورة بطوابع الفشل عن غيابه عن الكويت تاركا للشركات الخاصة ساحة تسرح بها وتمرح.

باختصار، كل السجالات التي نسمعها ونراها بين المجلس والحكومة هي سجالات «حزبية» بالمعنى الضيق للكلمة. سجالات تريد ان تكون قاعدة معايير تجذب اليها جيلا من الكويتيين لم يعد يرى في التنمية سوى ما ينتج عن اتفاق السلطتين من صفقات أو ما ينجم عنهما من خلافات. سجالات تعكس عجزا وغيابا لإرادة التغيير وقصورا في الرؤية وضعفا في المعالجة... وكلها قروض سياسية بلا فائدة إنسانية تريد السلطتان ان نرثها كمواطنين ومن دون المطالبة بإسقاطها.

السلطتان ومعاييرهما في صوب، والتنمية ومعاييرها في صوب آخر، وعلى الكويتيين ان يختاروا طريق التحرك للتحرر... رحمة بالبلاد والعباد.



جاسم بودي
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي