- يكفي أن يكون لديك صديق أو صديقان حقيقيان يهتمان لأمرك ويحبانك، خير لك من حُمر النعم وخير لك من مئة ألف متابع في الأنستغرام والتيك توك.
- قرأت ذات مرة أنه في عام 2006، وُجِدت امرأة في الأربعين من عمرها تدعى جويس فنسنت ميتة في شقتها في لندن، وكان لديها مليون صديق على الفيس بوك، لم يكن هناك شيء غير عادي في ذلك، باستثناء أنها توفيت قبل أكثر من سنتين على أريكتها وأمامها التلفاز وكسرات خبز يابسة. كيف يمكن أن يحدث ذلك؟ أين كان الجميع؟
- إن النصيحة التي تقدمها لك أمك بحب أفضل من عشرين كتاباً تقرأه لمدربي التنمية البشرية وأصحاب الاقتباسات الروائية، وعندما يُخبرك والدك أنه يُحبك فإنه يكون أكثر صدقاً وقولاً وعملاً من كل أولئك الذين أخبروك بمشاعرهم يوماً ما منذ يوم ولادتك وحتى يوم مراهقتك وقدرتك على أن تعبس في وجه والديك، لأن مزاجك وهرموناتك وغدتك النخامية وغدتك الكظرية ونسيجك الكهفي وجهازك السبمثاوي متعكرة اليوم.
- إن الذي جعل أينشتين عالماً مميزاً وعبقرياً هو ذاته الذي جعله أباً غير مبالٍ بعائلته وأبنائه... وهو الخيال المبالغ فيه والهروب من الواقع ومسؤوليات البيت، فتعلم أيها المراهق اللطيف أن تنظر لأبيك وأمك نظرة تقدير واحترام كونهما مباليين بك، ولم يضرباك عرض الحائط أو يضعاك في دُور التربية المدفوعة التكاليف لكي يصبح أباك أينشتين آخر، وأمك تصبح روائية تحصل على نوبل لأنها كتبت عن الإنسانية المظلومة، بينما لم تجد وقتاً لكي تنظف أُذنيك وتغسل لك وجهك قبل ذهابك للمدرسة! إن أمك وأباك... أكبر من ذلك بكثير.
- لا داعي لأن تتأفف من نصائح والديك وخوفهما عليك عندما يطلبان منك أن يكون لديك عقل ديكارتي شكاك، ونفس امارة بالاحتراس في كل ما حولك من عالم طاعن في القسوة ومغالٍ في سحب الناس للأسفل والحضيض، لأن عالمنا اليوم مليء بالذين قبحهم الله وأخزاهم، والذين ليس لديهم وظيفة سوى أن يدمروا حياة الآخرين... فلا داعي أيها المراهق للتأفف والعصبية وأن تسمع والديك كلاماً مثل «أوووووه... خلاص مليت من النصايح، ترى أنا كبير وأفهم»؛ في الواقع لو كنت كبيراً فعلاً لما قلت مثل هذا الكلام!
- لا تقلق... ستتعرف على أصدقاء في قاعات المحاضرات، وستُعجب بالآخر، وستتقافز هنا وهناك، وتُجرب، وتنتصر وتُهزم وتتعلم وتنمو، وسيختفي الجميع فجأة مثلما ظهروا فجأة، ولن يبقى معك سوى العائلة والأصدقاء الحقيقيون، فحاول ألّا تجرح والديك أثناء رحلتك، وكن على يقين أنهما في انتظارك دائماً سواء كانت رحلتك عبر الصحارى والجبال أو عبر الشاشات والإنترنت.
عزيزي القارئ، سواء كنت من جيل «الألفية» أو جيل «z» أو جيل «ألفا»، فإن ما وضعته لك في الأعلى هي نصائح أمي وأبي التي لم أتبعها في مراهقتي، ثم اكتشفت وأنا على حافة الأربعين، وقد أصبحت أباً أنها ليست قواعد يمكن لك ضربها عرض الحائط، ولكنها أصول توارثتها البشرية سواء في عصر الراديو أم في عصر الإنترنت أو حتى في العصر الحجري، وضرب هذه الأصول سيدخلك أنت شخصياً في الحائط، وعلى الرغم من ذلك فمهما قلنا وكتبنا فأنت لن تستمع لها، وستجرب ولكن لا يعود إلا المعدن الأصيل وهو الثابت الذي يعلم. أن كل ما لم يُذكر فيه اسم الله...أبتر.
Moh1alatwan@