الرأي اليوم
تتبدّل الفصول وفصلُك ثابت
لو قُيّض لمرصد العم الراحل صالح العجيري أن يرصد مساحات الفخر والحزن في قلوب الكُويتيّين ومُتابعيه على مدار الكوكب لما وجد ربما حجم «الذاكرة» الذي يكفي لواحد في المئة من الإحصاء.
في حياته كما في رحيله، لم يُجمع الكويتيّون بمختلف أجيالهم على الاعتزاز بشخص قدر اعتزازهم بالعم صالح العجيري. كان رحمه الله موضع استفتاء دائم على محبته من الجميع وموضع فخر من قبل الجميع وموضع انبهار من قدرات شخص سخّر حياته كلّها لعلم الفلك بإمكانات ذاتية وحقّق نجاحات عجزت عنها مؤسسات كبرى.
نموذج استثنائي لجيل من الرواد كان سبّاقاً لهم في مجال عمله بمسافات «فلكيّة» بكل ما تعني الكلمة من معنى. مُؤسّس قيم التخصص في مجال واحد ومُشجعاً الآخرين على التخصّص كلّ في مجاله مع ندرة المنافسة في الواقع، وتقدّمه بسرعة المركبات الفضائية إلى النجاح حاملاً معه الكويت، سمعة وريادة.
أجدادنا عاصروه، وآباؤنا، وأولادنا وأحفادنا. سيرته ومسيرته في قصص الأطفال ومناهج التعليم، وإبداعاته مُوثّقة من توقّعاته وروزنامته الشهيرة، إلى حركة النجوم والأفلاك، مُروراً بتغيّرات الطبيعة وأجواء الطقس وكتبه وأبحاثه العلمية ومساهماته في نشر دراساته واكتشافاته خليجيّاً وعربيّاً.
رحمك الله معلماً من معالم الكويت. هرم علمي وحضاري وتجربة فريدة، مُميّزة، استثنائيّة لا تتكرّر. ولأنه العم صالح العجيري، ولأن تاريخ الكويت لا يسرد إلا بذكر مآثره فلا بدّ من تكريم مُميّز واستثنائي له من قبل الدولة بأن تحوّل منزله إلى متحف وأن تنشئ مُؤسّسة تحمل اسمه تعنى بعلوم الفلك وأبحاث الفضاء، وأن توثّق كل تجربته وأدواته وسيرته وتاريخه للعرض الدائم في المراكز العلميّة والمؤسسات المختصة، وأن تطلق اسمه على شارع ومدرسة.
رحمك الله يا عمّنا، رياح الفخر بسيرتك تعصف بالكويت اليوم، وفضاؤنا تأسره المُنخفضات الجوّية الحزينة، وغيوم الحسرة على فقدان قامة بمثل قامتك تتراكم وتتلبّد، لكن مواسم العزّ تبقى مُشرقة... تتبدّل الفصول وفصلك ثابت.