وفقاً لنتائج دراسة يابانية رائدة شارك فيها باحث مصري
مضادات حيوية من التُّربة... تكافح الأورام السرطانية!
عندما تجلس على بساط عشبي في حديقة، فستندهش على الأرجح إذا قيل لك إن التربة التي ينبت منها ذلك العشب تحتوى على عشرات بل ربما مئات من أنواع البكتيريا النافعة.
لكن الأمر المدهش حقاً هو أن علماء في جامعة هيروشيما اليابانية اكتشفوا أخيراً من خلال دراسة بحثية رائدة أن بعضاً من تلك البكتيريا يمكن أن تُستخلص منها مضادات حيوية بسيطة لكنها فعالة في مكافحة نمو عدد من الأورام السرطانية.
فبعد أن استخلص الباحثون مركب حيوي يعرف بـمركب «لانكاسيدين» من بكتيريا «ستريبوميسيز روشي» الإشاعة في التربة، لاحظوا أن جزيئاته تتسم بخصائص مضادة للميكروبات بشكل عام. وبشكل خاص، اتضح أن صنفاً محدداً من تلك المادة يُعرف بـ«لانكاسيدين C» يتمتع بالقدرة على أن يكبح نشاط مجموعة متنوعة من الأورام السرطانية، بما في ذلك سرطانات الدم والجلد والمبيض والثدي.
الدراسة أجريت تحت قيادة البروفيسور كينجي أراكاوا، الأستاذ بكلية الدراسات العليا للعلوم المتكاملة بجامعة هيروشيما اليابانية. وشمل فريق العمل باحثين من جنسيات متعددة، بمن فيهم الباحث المصري الدكتور أحمد طه أيوب، أستاذ الكيمياء الحيوية بكلية الصيدلة وتكنولوجيا الدواء بجامعة هليوبوليس للتنمية المستدامة. ونُشرت نتائج الدراسة في العدد الحالي من دورية «بايوأورغانيك آند ميديسنال كيمستري» (BMC) العلمية المتخصصة في الكيمياء الحيوية والطبية.
وفي ضوء نتائج تجاربهم المختبرية، خلص الباحثون إلى أن جزيئات مركب «لانكاسيدين»C تحديداً تشكل أساساً مناسباً لتصميم تركيبات أدوية مضادة للسرطان، وذلك على الرغم من أن هيكله البنائي البيولوجي معقد وليس من السهل تكييفه ليلائم الغرض المنشود.
وبعد أن نجح الباحثون في تحديد مكان وجود النشاط المضاد للأورام السرطانية في جزيئات ذلك المستخلص البكتيري، بدأوا في توظيف هذه المعلومات لتبسيط تركيبته كنقطة انطلاق نحو استخدامه في تصميم مضادات حيوية قادرة على تعطيل نمو تلك الأورام.
وقال البروفيسور أراكاوا: «صحيح أن تركيبة جزيئات ذلك المركب تتسم بالتعقيد عند استخدامها في تركيبات المضادات الحيوية، لكننا استطعنا إجراء تعديل هيكلي عليه بحيث أصبحت تركيبته أقل تعقيداً، وتتوقع التنبؤات الحاسوبية لذلك التعديل أن يكون نقطة انطلاق ممتازة نحو تعزيز نشاط ذلك المركب كمضاد حيوي في مكافحة الأورام السرطانية».
وعن ذلك التعديل، شرح أراكاوا: «من خلال نموذج محاكة تنبؤي كمبيوتري، قام الباحثون بتقييم مبدئي للكيفية التي يمكن أن تساهم بها المكونات المختلفة للمضادات الحيوية من فئة لانكاسيدين في نشاطها المضاد للأورام السرطانية، ووجدوا أنه من الممكن تبسيط تركيبتها البيولوجية من خلال استبعاد حلقة دلتا-لاكتون الهيكلية المؤلفة من ذرات كربون. وبالفعل، نجحوا في تحقيق ذلك مستعينين ببروتين يُعرف باسم Orf23.
وتابع متفائلاً: «شكلت تلك الخطوة تطوراً مذهلاً، إذ إنها فتحت الطريق للمرة الأولى أمام استبعاد العقبة الرئيسية التي تقيد قدرة جزيئات لانكاسيدين على القيام بدورها كمضادات حيوية للأورام السرطانية. وقد أطلقنا على الجزيئات المعدلة الجديدة اسم لانكاسيكلينون C».
واختتم البروفيسور أراكاوا بالقول إنه سيواصل مع زملائه الباحثين جهودهم في هذا الاتجاه سعياً إلى تطوير تركيبة جزيئية متكاملة تمهيداً لاستخدامها في إنتاج أول علاجات مستخلصة من البكتيريا لمكافحة كثير من الأورام السرطانية.