كي يأخذ الحلفاء إدارة بايدن على محمل الجدّ

تصغير
تكبير

الكلام وحده لا يكفي. الادانات تبقى ادانات في غياب موقف عملي للإدارة الاميركيّة من «الجمهوريّة الاسلاميّة» الإيرانية التي استخدمت ذراعا لها هي الميليشيا الحوثية التي تسمّي نفسها «جماعة انصار الله» من اجل الاعتداء على دولة الامارات العربيّة المتحدة وعلى ابوظبي تحديداً.

الأكيد أنّ الامارات تستطيع الدفاع عن نفسها، لكنّ الأكيد أيضاً انّ على الولايات المتحدة الوقوف مع حلفائها عندما يتعرّض هؤلاء لعدوان موصوف.

يفترض بإدارة بايدن تسميّة الأشياء باسمائها، خصوصاً في ما يتعلّق بالحوثيين وسلوكهم، وان تظهر انّها تعرف المنطقة وانّها ليست استمراراً لإدارة باراك أوباما التي وقعت مع ايران اتفاقاً في شأن ملفّها النووي صيف العام 2015.

كان ذلك الاتفاق، الذي رفد الخزينة الإيرانية بمليارات الدولارات، بمثابة هديّة الى «الجمهوريّة الاسلاميّة».

استطاعت ايران وقتذاك، عبر «الحرس الثوري» الذي يسيطر عملياً على مفاصل السلطة، استغلال كلّ دولار حصلت عليه ايران كمكافأة على توقيعها الاتفاق.

وظّفت كلّ دولار في خدمة مشروعها التوسّعي وميليشياتها المذهبيّة المنتشرة في المنطقة.

من بين هذه الميليشيات «جماعة انصار الله» التي ترفع شعار «الموت لاميركا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للاسلام».

أي جماعة في العالم ترفع شعار اللعنة على اليهود وكأن هؤلاء ليسوا بشراً وليسوا جزءاً، الى ما قبل فترة قصيرة، من النسيج اليمني، خصوصاً في محافظة صعدة معقل الحوثيين انفسهم.

يبدو واضحاً انّه مثلما انّ إدارة أوباما كانت تتجاهل طبيعة نظام «الجمهوريّة الاسلاميّة» الإيرانية، فإن إدارة بايدن تبدو اكثر سلبية منها في مجال التعاطي مع حلفائها في ما يخصّ اليمن تحديدا.

يبدو انّها تريد القول لكلّ من يعنيه الامر انّ لديها حسابات تريد تصفيتها مع الحلفاء.

الدليل على ذلك، مسارعتها الى رفع الحوثيين عن قائمة الإرهاب الاميركيّة.

حدث ذلك مباشرة بعد دخول جو بايدن الى البيت الأبيض قبل سنة تماماً.

كيف يمكن لادارة اميركيّة المرور مرور الكرام على الدور الذي يلعبه الحوثيون كاداة ايرانيّة لا اكثر في تهديد دول شبه الجزيرة العربيّة انطلاقاً من اليمن.

من اين جاءت الصواريخ البالستية والطائرات المسيّرة التي استخدمت في العدوان على أبوظبي.

هل تهبط الصواريخ والطائرات المسيّرة من السماء ام تأتي من مكان محدّد ويجري تدريب الحوثيين عليها بواسطة «الحرس الثوري» ومتفرّعاته؟

رفعت إدارة بايدن الحوثيين عن قائمة الإرهاب.

كانت النتيجة انّ هؤلاء رفضوا كلّ مبادرات السلام.

يعني ذلك انّه لم تكن من فائدة تذكر لما أقدمت عليه واشنطن.

على العكس من ذلك، مارس الحوثيون مزيداً من العدائية رافضين ايّ انفتاح من ايّ نوع يظهر انّهم يريدون تسوية سلميّة في اليمن.

أسوأ ما في الامر ان مبادرة السلام السعوديّة قبل عشرة اشهر، كشفت ان لا وجود لشيء اسمه «جماعة انصار الله».

الكلمة الأولى والأخيرة لـ«الحرس الثوري» الذي سارع عبر مندوبه في صنعاء حسن ايرلو (توفّي لاحقاً) الى رفض المبادرة السعوديّة واضعاً الحوثيين امام امر واقع.

حسناً، لدى إدارة بايدن تحفظات عن سياسة المملكة العربيّة السعوديّة في مجالات معيّنة.

هذا ليس سرّاً.

ولكن ليس سرّاً أيضاً انّ الحوثيين لا يريدون السلام في اليمن وأنّهم يعتدون على السعودية وانتقلوا الآن الى الاعتداء على الامارات.

اكثر من ذلك، ليس سرّاً أنّ ما تفعله الإدارة الاميركيّة الحالية يتمثّل في تشجيع الحوثيين على ان يكونوا اكثر عدائية.

إنّهم اكثر عدائية تجاه الولايات المتحدة نفسها.

قبل أسابيع قليلة، اقتحمّ الحوثيون مقرّ السفارة الاميركيّة في صنعاء.

لم يكتفوا بتفتيش مكاتب السفارة، الخالية من ايّ ديبلوماسيين، بل احتجزوا 20 موظّفاً محليّاً.

ما زالوا يحتجزون خمسة من هؤلاء الى حدّ اليوم.

اين ذهب رهان إدارة بايدن على الاعتدال الحوثي؟

تذكّر إدارة بايدن في كلّ ما تقوم به بإدارة أوباما.

لذلك تجد ايران انّ في استطاعتها الرهان على تمرير الوقت.

القضيّة، بالنسبة الى «الجمهوريّة الاسلاميّة»، والى الحوثيين أيضاً، قضيّة تمرير وقت فقط.

أي قضيّة مرتبطة باقناع الإدارة الاميركيّة بأن «الجمهوريّة الاسلاميّة» جدّية في التوصل الى اتفاق يتعلّق ببرنامجها النووي.

يبدو ان الإدارة ما زالت مقتنعة بانّ ايران تريد اتفاقاً في فيينا وان الحوثيين ما زالوا يبحثون عن حلّ سلمي في اليمن.

لا فائدة من مثل هذه السياسة، في وقت يبدو مطلوباً اكثر من ايّ وقت، اقتناع ايران بأنّ لا افق، من أي نوع، لمشروعها التوسعي القائم على نشر الميليشيات التابعة لها في المنطقة واستنفار الغرائز المذهبيّة من جهة وانّ لا مجال للتوصل الى اتفاق مع مجموعة الخمسة زائداً واحداً، التي تضمّ اميركا، من دون استيعاب لمعادلة مبنيّة على التصالح مع المنطق من جهة أخرى.

التصالح مع المنطق لا يمكن ان يبقي سلوك ايران خارج حدودها وصواريخها خارج أي اتفاق معها.

يقول المنطق ايضاً ان ايران تستطيع ان تخرّب وتدمّر خارج حدودها وداخلها، لكنّها لا تستطيع ان تبني.

الدليل على ذلك الاهتراء الاقتصادي في «الجمهوريّة الاسلاميّة» نفسها وما تعاني منه العراق وسورية ولبنان واليمن في ظلّ ممارسات الميليشيات التابعة لـ«الحرس الثوري».

هل يستطيع نظام الملالي في ايران التصالح مع المنطق؟ مثل هذا السؤال سيكون العنوان الذي يختزل المرحلة المقبلة في المنطقة كلّها.

في انتظار وصول ايران الى مصالحة مع المنطق، يبدو مفيداً اقتناع إدارة بايدن بانّ سياسة التساهل مع الحوثيين ليست سياسة ناجعة وأن «جماعة انصار الله» لا يمكنها القيام بايّ تغيير لموقفها من الحل السياسي في اليمن بمجرد رفعها عن لائحة الإرهاب.

لا تستطيع هذه الجماعة قبول ايّ مبادرة سلميّة وايّ حوار في ظلّ موازين القوى الحالية التي نجحت قوات لواء العمالقة في تغييرها.

هذا سبب كافٍ كي تبدأ إدارة بايدن بالتعرّف على المنطقة من زاوية واقعيّة... وكي يبدأ الجميع، بمن في ذلك حلفاؤها في اخذها على محمل الجدّ !

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي