مشروع الموازنة يستبق استئناف المفاوضات مع صندوق النقد

مبادراتٌ متزامنة تُسانِد حكومة لبنان بمحاولة كبح الانهيارات

مبادراتٌ متزامنة تُسانِد حكومة لبنان بمحاولة كبح الانهيارات
مبادراتٌ متزامنة تُسانِد حكومة لبنان بمحاولة كبح الانهيارات
تصغير
تكبير

رصدت مصادر معنية ومُواكِبة تحولاتٍ نوعيةً في إدارة ملفات الأزمات اللبنانية الشائكة، تتجمع تباعا تحت مظلة معاودة الانعقاد الدوري لمجلس الوزراء وبدء العقد الاستثنائي لمجلس النواب، ما ينعش الآمال بوجود تفاهمات داخلية تحظى بإسنادٍ دولي لانطلاق رحلة الصعود المتدرّج من الهاوية السحيقة التي انحدرت اليها البلاد واقتصادها وسط انهيارات مالية ونقدية كادت تطيح بكامل المقومات والأرصدة الوطنية.

ووضعت المصادر انكباب مجلس الوزراء، والعائد من تغييب قسري تعدّى ثلاثة أشهر متواصلة على مناقشة مشروع موازنة العام الجاري ابتداء من يوم الاثنين وتخصيصه بجلسات متصلة لتسريع إقراره وإحالته على البرلمان، ضمن مسارٍ نقيضٍ لحال التفكك والانكفاء الذي أخلّ طويلاً بانتظام السلطات العامة وتَسَبَّبَ بشلل شبه تام في الوزارات والمؤسسات، فيما كانت الأزمات النقدية والمالية تنهش ما تبقى من رمق في معيشة المقيمين من مواطنين ونازحين تبعا للتآكل الحاد في القدرات المعيشية الذي أصاب مستويات المداخيل كافة بالعملة الوطنية وحتى الأعلى بينها والخاصة بالوزراء والنواب وكبار الموظفين والضباط في الأسلاك العسكرية.

وبدا، بحسب متابَعات ومعلومات مصادر مشاركة في الترتيبات الجديدة، أن خلو مشروع الموازنة من حزمة الإصلاحات المالية المرتقبة ومن مقاربات واضحة لإعادة هيكلة الدين العام، انما يحتكم الى خريطة طريق محدَّدة يعمل عليها الفريق الاقتصادي لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وتقضي إجرائياً بفصل البيانات الرقمية للموازنة عن مندرجات خطة التعافي والإنقاذ التي سيتم تخصيصها بجلسات مماثلة ومشاورات حثيثة مسبقة مع رئاسة مجلس النواب قبل تسليمها رسمياً إلى إدارة صندوق النقد الدولي.

ورغم اقتصار مشروع الموازنة على تحديد أرقام «واقعية» في جانبيْ الإنفاق والواردات، ومعزَّزة بشبه «تصفيرٍ» للإنفاق الاستثماري، فإن المندرجات تشي بخروج الدولة الصريح من حال الإنكار وتمهيد الطريق أمام اعتماد سعر صرف واقعي لليرة بإزاء الدولار. علماً أن السعر الجديد، والمقدر أن يكون أقرب إلى 20 ألف ليرة لكل دولار سيقرر حكماً إمكان تحقيق كامل الايرادات الملحوظة.

وتزيد أرقام موازنة 2022 نظرياً بمقدار 2.6 ضعفي أرقام موازنة 2021. لكنها تتصف بالانسجام مع ضرورات تحسين مداخيل القطاع العام ومع الأسعار والأكلاف الواقعية للمصروفات الإدارية واللوجستية في الوزارات والمؤسسات، فضلاً عن تخصيص مبالغ لمساعدات اجتماعية طارئة. مع ملاحظة إدراج نحو 10.3 تريليون ليرة كوارداتٍ استثنائية يجري تمويلها عبر الاقتراض الداخلي لصالح الخزينة، ما يعني أن العجز التقديري يبلغ فعلياً نحو 21 في المئة، فضلاً عن تخصيص تمويل اضافي بنحو 5.25 ترليون ليرة لصالح مؤسسة الكهرباء، يجري بالاقتراض أيضاً، ما يرفع نسبة العجز المتوقَّع الى 31 في المئة.

كما ان التوازي الرقمي بين الإنفاق والواردات عند مستوى 49.4 تريليون ليرة، أي نحو 2.15 ملياري دولار، يعكس تماماً عمق الاختلال الذي بلغتْه المالية العامة بحصيلة سنتين ونيّف من تَراكُم الخسائر الجسيمة التي قلّصت اجمالي الناتج المحلي من مستوى 55 مليار دولار بنهاية العام 2018 إلى ما دون 20 مليار دولار بنهاية العام 2021. وبذلك يصح التوصيف بأنه ليس بالامكان أكثر مما جرى إعداده، وبالتالي على اللبنانيين «انتظار» قطار المدد الدولي الموعود.

توازياً، من المقرراستئناف المشاورات الافتراضية بين لبنان وإدارة الصندوق نهاية الشهر الحالي، توطئة للاتفاق على تحديد موعد انطلاق جولات المفاوضات الرسمية، ولا سيما عقب اكتساب مشروع قانون موازنة صفة التشريع، والسعي إلى إقرانه بالتزامن مع قانون تقييد التحويلات (الكابيتال كونترول)، بينما تؤكد إدارة الصندوق مواصلة الانخراط الوثيق مع السلطات اللبنانية لمساعدتها على صوغ استراتيجية إصلاحية شاملة تعالج التحديات الاقتصادية العميقة التي يشهدها لبنان.

وبات واضحاً أن إدارة الصندوق تساهم بدورها في إعادة انتظام السلطات وتَعاوُنها من خلال شروطها المسبقة بضرورة حشد «التأييد السياسي على نطاق واسع لتنفيذ هذه الاستراتيجية، بما في ذلك تأييد أي حكومة تتولى زمام السلطة في المستقبل، وبحيث يجب أن تؤدي الإصلاحات اللازمة إلى استعادة الاستقرار الاقتصادي الكلي، والعودة بالديون إلى مستويات مستدامة، واسترداد ملاءة القطاع المالي، والعودة إلى تحقيق نمو مرتفع وأكثر احتواءً لكل شرائح المجتمع على المدى المتوسط».

ولا يخرج عن سياق تلاقي المبادرات، عودة الدينامية الى ملف ترسيم الحدود البحرية اللبنانية الجنوبية مع اسرائيل، وهو ملف حيوي بما يزخر به من مضامين استراتيجية، إضافة إلى بُعده الاقتصادي المتصل باستئناف استكشاف ثروات النفط والغاز في المياه الاقليمية. فثمة معلومات متقاطعة بترقب تحقيق تقدم جدي عبرالجولة الجديدة للتقاوض غير المباشر التي سيقوم بها قريباً الموفد الاميركي الخاص آموس هوكشتاين. وهذا ينسجم مع معلومات تم تعميمها سابقاً ومفادها أن «إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية تستعجلان الوصول إلى اتفاق قبل شهر مارس المقبل. وهو موعد بدء الإسرائيليين بالتنقيب عن النفط في بحر كاريش. وحيث رجح المراقبون أن يكون الإسرائيليون قد وافقوا على إعطاء لبنان حقلاً كاملاً على أن يعود حقل كاريش كاملاً لإسرائيل».



«قنصٌ» مالي – سياسي من فريق عون على مشروع الموازنة و«بنده الخطير»

شكّلت «السهام» التي وجّهها «التيار الوطني الحر» (حزب رئيس الجمهورية ميشال عون) لمشروع موازنة 2022 أول مؤشر لما ينتظر مناقشاته داخل الحكومة من «حقل ألغام» يتداخل فيها المالي بالسياسي.

فعلى وقع «حملات» تعرَّض لها المشروع من خبراء اقتصاديين وناشطين في ثورة 17 أكتوبر 2019 وصف بعضهم الموازنة بـ «الخبيثة والخطيرة» و«مجرّد عملية محاسبية تُراكِم ضرائب عشوائية على الناس وتنهك ما تبقّى من إقتصاد» مع توقفٍ عند مجموعة بنود – سوابق إلى جانب «تمييز» الودائع الجديدة عبر طلب سدادها «نقداً بالعملة التي اودعت بها وتُرفع قيمة الضمانة الى 50 الف دولار»، انتقد «التيار الحر» المشروع معتبراً أنه «لا يعكس توجّهات لاستنهاض الاقتصاد ولا يخرج عن كونه موازنة رقميّة، يُخشى من ‏آثارها الانكماشيّة».

ورأى «التيار الوطني» أن الموازنة «تزيد الأعباء من دون أن تُحَفّز النمُو، في قطاعات الانتاج، ‏‏ولا تتضمّن بنوداً تُعَزز الحماية الاجتماعيّة والرِعاية الصحيّة، الأكثر من ضروريّة في هذه المرحلة، كما أنّها تفتقد بُنوداً إصلاحيّة جديّة ‏تتَّصِل بنظام الضَرائب ليصبح أكثر كفاءة وعدالة، من دون المساس بالطبَقات الاجتماعيّة ذات المداخيل الهَشّة».

وأكد أن «مِن أغرَب ما يتضَمَّنه المشروع، مَنح وزير المال ​يوسف الخليل​، صلاحيّات استثنائيّة لتعديل قانون ضريبة الدَخل، وفَرض قواعد للتعاطي مع الودائع الجديدة بالدولار، وحقّ تسعير سعر صرف الليرة مقابل الدولار، من خلال ما سُمّي الدولار الضَريبي والجُمركي وسِواه»، معلنة أنه «تطوُّر خَطير، إذ لَمْ يسبق أن منح مَجلِس النوّاب، صلاحيّات استثنائية في هكذا أمور حسّاسة ومصيريّة، تتطلّب موافقة ثُلثي أعضاء مجلس الوزراء».

ونبّه الى «أنَّ أيّ موازنة تتضمَّن إجراءات تقشُّفيَّة، أو رفًعاً للدَعم أو ضَرائب جديدة، لا بُدّ أن تتزامن مع تَصحيح منطقي للأجور في القِطاعين العام والخاص، إذ لا يمكن ترك الموظفين بهكذا رواتب مذرية». وإذ تَفهّم رَفع تعرفة الخدَمات العامّة في ضوء إنهيار قيمة الليرة، شَدّد على «أن يترافق ذلك مع تحسين مُستواها، وتحقيق النِسبة الأعلى من الجِباية، لتشمل بعَدالة جميع المُكلَّفين في كُلّ المناطق اللبنانية».

وعبّر التيّار عن «توجّس من المادة 132، من مشروع قانون الموازنة الذي يَحصر الزاميّة تسديد الودائع بالعملات الاجنبيّة، بما يسمّيه ودائع جديدة، فماذا عن مصير الأموال بالعُملات الاجنبيّة التي تبلغ قيمتها راهناً 102 مليار دولار، وهي جنى عُمر الناس الذين أودعوها لدى المَصارِف، التي بدورها وظّفَت منها 84 مليار دولار في ​مصرف لبنان​».

كما توقف «عندَ تَجاهُل الحكومة خُطورة ما يقوم به حاكِم المَصرف المَركزي ​رياض سلامة​، مِن تَعاميم تَتَلاعب بسعر الصَرف، فتَزيد خسائر المودعين وتعمِّق الانهيار المالي».

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي