فخامة الرئيس ما لم تسمعه من مستشاريك عن الكويت

تصغير
تكبير

فخامة الرئيس جورج بوش
وأنت في طريق الوصول الى بلادنا، سيقدم لك مستشاروك عرضا سريعا عن الكويت وابرز نقاط القوة في العلاقات الكويتية -  الاميركية، ثم يضعونك في صورة جدول اعمال الاجتماعات التي ستحصل حسبما تم تحديده في المفاوضات التمهيدية بين الاجهزة المختصة، اضافة الى ابرز القضايا التي يستحسن ان تتطرق اليها في اللقاءات السياسية او الاعلامية مثل المحتجزين في غوانتانامو وحقوق المرأة والتطور الديموقراطي والدور الذي لعبته الكويت في الحرب على الارهاب والحرب على العراق والاتفاقات الامنية والتجارية...
وبما اننا حريصون على العلاقات المميزة مع بلادكم وعلى التحالف من خارج اطار «الناتو»، وبما اننا نريد للقائكم مع صاحب السمو الامير قائد مسيرتنا ورمز دولتنا ان يكون ناجحا بكل المقاييس، نجد لزاما علينا ان نقدم لكم ايضا عرضا سريعا عن الكويت... ربما لم تعرفه من مستشاريك.
في الحرب على الارهاب يا فخامة الرئيس، كانت الكويت الانجح بامتياز على امتداد العالم، لانها قامت اساسا كدولة وكمجتمع على الانفتاح والتسامح ونبذ الانغلاق والتعصب معتبرة ذلك في صلب الشريعة الاسلامية السمحة لا نقيض لها. ولانها، وهنا الاهم، لم تكن جزءا من حقل تجارب دولي خلال الحرب الباردة وهي بالتالي لم تصدر مقاتلين منظمين (بمباركة اميركا) لتستورد لاحقا التطرف والارهاب.
هذا في المنطلق، اما في النتائج فالكويت نجحت في الحد من بعض الظواهر المتطرفة القليلة التي نبتت هنا وهناك لسبب رئيسي، هو انها اخذت زمام المبادرة في التصدي لكل ما من شأنه الاساءة الى الدولة والمجتمع، ولم تنتظر الآخرين ليعلموها دروسا في التعقب والمواجهة قافلة الباب امام تدخلات نعلم متى تبدأ ولا نعلم كيف تنتهي.
نعم يا فخامة الرئيس، الكويت اعتبرت مواجهة التطرف جزءا من مسؤوليتها هي لا من مسؤوليات الآخرين، خصوصا ان تجارب مواجهة الآخرين للتطرف في اكثر من مكان زادت من حضوره وتفاقمه وادخلت البلاد والعباد في لعبة جهنمية من المصالح والمخططات وتمزيق اللحمة الوطنية... حمانا الله منها وابعدنا عنها.
وفي الديموقراطية والشرق الاوسط الكبير، كنا في الكويت ومازلنا، خارج الشعارات الاميركية بصيغها المعلبة الجاهزة للتصدير من دون اي اعتبار للخصوصيات الاجتماعية والثقافية والدينية. طبقنا الديموقراطية يا فخامة الرئيس قبل قيام دولة اسرائيل التي اعتبرتموها ذات يوم الدولة الديموقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط ثم قلتم بالامس انكم ستضمنون امنها «كدولة يهودية». واستمرت ديموقراطيتنا تتطور في اطار خصوصياتنا وقيمنا محققة نتائج جيدة عصمت البلاد مرات ومرات من الفتنة والتمزق والذوبان في دول اخرى. لم نكن معنيين حقيقة بالشرق الاوسط الكبير الذي تحدثتم عنه باعتباره حلما ديموقراطيا ينهي الارهاب، لان ديموقراطيتنا ليست مرتبطة بشعار مرحلي في اطار حملة دولية على الارهاب اليوم تماما كما ان اسلامنا لم يكن مرتبطا بالحملة الاميركية على روسيا في افغانستان قبل عقود.
 باختصــار وبكـــــل صراحة، لـــــم نكـــــن مؤمنين استجابة لـ «صحوة» اميركية ايمانية ضد الروس في الحرب الباردة، ولسنا ديموقراطيين استجابة لـ «صحوة» اميركية ديموقراطية ضد العائدين من افغانستان.
بل اكثر من ذلك، فالادارة الاميركية تراجعت عن شرقها الاوسط الكبير بعدما اوصلت صناديق الاقتراع الى السلطة من لا ترغب اميركا في وصولهم، الا ان النموذج الكويتي وبسبب استقلاليته ومبدئيته وبعده عن اجندات الآخرين، استطاع ان يعطي النموذج الحقيقي في ان الديموقراطية لا تلغي حرية الناس بل تحصنها، وها هي القوى الاسلامية الكويتية تخوض غمار التحدي الديموقراطي بكل تحضر، وتوصل ممثلين فاعلين الى البرلمان يشاركون بجدارة في ادارة السلطة من خلال البرامج والنقاشات والرقابة والتشريع ويؤمنون فعلا لا قولا بمبدأ التغيير والتداول وقرار الهيئات الناخبة ويلتزمون دستور البلاد... قبل الشرق الاوسط الكبير وبعده.
نتمنى ان يقول لك مستشاروك ايضا ان الكويت رفضت سياسة المحاور الدولية منذ كانت تلك المحاور سمة المرحلة، وان يقولوا لك ايضا ان الامير الذي ستلتقيه هو الذي ارسى ذلك لدى ادارته للسياسة الخارجية الكويتية، فقد رأى بعمق بصيرته ان الدخول في المحاور سيكلف الكويت تبعات الاستقطاب اثمانا مضاعفة لما يمكن ان تجنيه، وان الصداقة مع الجميع والانفتاح على الجميع وبناء جسور مع الجميع ثروة حقيقية لابناء الكويت يجنون ثمارها استقرارا مستقبليا. لذلك لا بأس من الاصغاء بعقل مفتوح الى ما سيقوله لكم من موقع التحالف والصداقة عن الحل العادل والشامل في فلسطين، وعن كيفية الخروج من دائرة الاخطاء والاخطار في العراق، وعن ضرورة حل الازمة مع ايران سلميا لان المنطقة تستحق بعض السلام لا المزيد من الحروب، وعن تصحيح مسيرة الحرب على الارهاب وعدم شمولها للمقاومين في سبيل استعادة ارضهم، وعن لجم اسرائيل عن اجرامها وعنفها ووضعها للانسان الفلسطيني بين خيارين: اما ان يكون قتيلا واما ان يكون شهيدا (وفي الحالتين سيعتبره الاعلام الاميركي ارهابيا)، وعن تعميق العلاقات الاميركية - العربية بالعدل والمعايير الواحدة والتعاون الحقيقي المبني على تصدير كل ما من شأنه العمل على تقدم الانسان العربي لا تصدير السلاح فحسب.
يا فخامة الرئيس، المنطقة تريد مبادرات ذكية لا قنابل ذكية. تريد تكنولوجيا عابرة للقارات لا صواريخ عابرة للقارات. تريد اتفاقات علمية واقتصادية  وتجارية ومالية لا صفقات تسليحية. تريد للسياسة الاميركية ان تستعيد المبادئ التي جرفتها المصالح.... فهل سيقول لك المستشارون ذلك؟
قبل ان نختم عرضنا السريع عن الكويت في موازاة العرض الذي سيقدمه مستشاروك، نتوقف فقط عند جملة قلتها يا فخامة الرئيس قبل بدء جولتك في المنطقة عندما سئلت عن اطلاق المحتجزين في غوانتانامو. يومها اجبت بالحرف:  «استراتيجيتنا اعادة اكبر عدد ممكن من معتقلي غوانتانامو الى اوطانهم شرط الضمانات الامنية ومعاملتهم معاملة انسانية».
... معاملة انسانية؟ اللهم لا تعليق، وهذا يزيدنا اصرارا على ان المنطقة بحاجة اكثر من ذي قبل الى مبادرات ذكية.
أهلا بكم في الكويت.


جاسم بودي

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي