استكمال ترسيم الحدود البحرية أحد أبرز الملفات العالقة
معضلة «ما بعد النقطة 162»... هل تنجح الكويت والعراق في حلها؟
- لجان فنية مشتركة للتوصّل إلى حل ديبلوماسي
- البعض يرى أن هناك جهات خارجية تستفيد من التأخير بحسم الملف
- الأمم المتحدة لم ترسّم الحدود البحرية بكاملها وتركت المهمة للدولتين
- الانتهاء من الترسيم سيصون للكويت سيادتها ويُتيح لها إمكانية تطوير شمالها
- كلا البلدين اتّخذ خطوات لمساعدة الآخر أو طمأنته حيال الخلافات
بعد مرور 31 عاماً على تحرير الكويت من الاحتلال العراقي، ونجاح الديبلوماسية الكويتية في إعادة بناء العلاقات الثنائية ورسم خريطة طريق لمستقبل علاقات أفضل، تمكّن البلدان من إنهاء معظم الملفات العالقة بينهما.
لكن أحد أهم الملفات الرئيسية التي لاتزال عالقة، يتمثل باستكمال ترسيم الحدود البحرية بين البلدين لما بعد النقطة 162.
وتم تشكيل لجان فنية مشتركة للتوصّل إلى حل ديبلوماسي يُنهي هذا الملف، الذي يراه البعض شائكاً إلى حد ما وبحاجة لبناء ثقة أكبر بين البلدين، فيما يرى آخرون أن هناك جهات خارجية تستفيد من التأخير بحسمه، فهل ستنجح الديبلوماسية الكويتية والعراقية في تجاوز هذا الملف قريباً؟
وبعد الاجتماعات الثنائية التي عُقدت أخيراً لإيجاد حل لترسيم الحدود البحرية بين الكويت والعراق، أوضحت مصادر ديبلوماسية أن الأمم المتحدة لعبت دور الوسيط الأساسي في العلاقات بين البلدين منذ تسعينيات القرن الماضي، وقامت بترسيم الحدود البرية بين العراق والكويت وفق قرار مجلس الأمن 833 الصادر العام 1993، لكنها لم ترسّم الحدود البحرية بكاملها، بل تركت هذه المهمة للدولتين.
وأشارت المصادر إلى أن تسوية المسائل الحدودية تشكّل أولوية للبلدين، إذ وقّعا في العام 2012 اتفاقية الخطة المشتركة لضمان سلامة الملاحة في خور عبدالله، ما أنعش الآمال في فتح نقاش حول الحدود البحرية، كون الانتهاء من الترسيم سيصون للكويت سيادتها ويُتيح لها إمكانية تطوير شمالها، في وقت يُعلن العراق محدودية منافذه على البحر وضحالة المياه في الجانب العراقي من الخور، وهذا ما يجعل التوصل لاتفاق في شأن ترسيم الحدود لما بعد النقطة 162 مصلحة مشتركة للبلدين.
وقالت المصادر إن الدولتين تعاونتا سابقاً في شأن قضايا حدودية عدة، حيث بنت الكويت مجمّعاً سكنياً في الجانب العراقي لإيواء العراقيين المتضرّرين من الترسيم الحدودي بين البلدين أو الذين كانوا يعيشون على مقربة من الحدود، كما وافقت الكويت على إعادة تأهيل منفذ سفوان الحدودي بما يتطابق مع معايير منفذ العبدلي الحدودي الكويتي، ومن الممكن أن تسهّل هذه القضايا التي تعاون فيها الجانبان إمكانية إحراز التقدّم على جبهات أخرى أيضاً.
وأكدت المصادر أن ما يجمع البلدين أكثر مما قد يفرقهما، فكل منهما اتخذ خطوات لمساعدة الآخر أو طمأنته حيال الخلافات القائمة منذ فترة طويلة، وكان بارزاً الدعم الكويتي للعراق على مختلف المستويات.
«مبارك الكبير» و«الفاو»
يقوم كل من الكويت والعراق حالياً ببناء ميناء على ضفاف خور عبدالله. فالكويت تُشيّد ميناء مبارك الكبير بكلفة 3.3 مليار دولار، فيما يبني العراق ميناء الفاو الأكبر حجماً بكلفة 6 مليارات دولار، والذي سيكون أول ميناء عراقي ذي منفذ إلى عرض البحر.
ويُمكن تحويل الميناءين إلى فرصة مشتركة لتعزيز الحركة التجارية في شمال الخليج.
الدور الإيراني
لفت تقرير لمركز «كارنيغي» إلى أن الكويت سبق وأن أعربت عن قلقها من امتناع العراق عن مشاركتها آخر مستجدّات سير العمل في مشروع تشييد ميناء الفاو المجاور، لاسيما أثره البيئي، وفق ما تنص عليه اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار التي وقّعت عليها الدولتان.
في المقابل، اعتبر العراق أن تحديد حدوده البحرية مع إيران شرطٌ مسبق ضروري لتسوية مسألة الحدود البحرية مع الكويت، على الرغم من عدم الترابط بين مجاريه المائية المشتركة مع الكويت وتلك المشتركة مع إيران.
ويشير ذلك إلى أن الثقل السياسي الإيراني في العراق حالَ دون توطيد علاقاته مع الكويت.
بناء الثقة
أوضحت مصادر متابعة أن إجراءات بناء الثقة لا تقتصر على تنظيم كيفية تعامل الطرفين مع بعضهما البعض فحسب، بل بإمكانها أيضاً المساهمة في وضع التدابير اللازمة للتخفيف من وطأة أيّ خلاف محتمل.
وأشارت إلى أن مثل هذه الآليات لا يُمكن تطبيقها إلّا عندما يثق الطرفان ببعضهما البعض، لافتة إلى وجود عوامل داخلية عراقية وعوامل خارجية قد تؤدي إلى عرقلة هذه الجهود.
فوائد التعاون
تُشجّع اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، واتفاقية تنظيم الملاحة البحرية في خور عبدالله، ومبدأ خط الوسط في ترسيم الحدود البحرية، على التنسيق حول المجاري المائية المشتركة.
ويُمكن تحقيق أفضل النتائج من خلال تبني نهج يركّز على الاستفادة من التعاون على أفضل وجه.
ورأت المصادر أنه يمكن للبلدين الاستفادة اقتصادياً من جهود التعاون المبذولة لتطوير موانئهما في خور عبدالله، ولهذا السبب، يُشكّل تأخير حسم ملف ترسيم الحدود البحرية فقداناً للفرص المتاحة أمام البلدين.
فشت العيج
أظهر الخلاف العلني حول فشت العيج وقرار العراق مناشدة الأمم المتحدة بدلاً من اللجوء إلى اللجنة العليا الكويتية - العراقية، احتمال تأجّج جذوة التوتر بين الدولتين.
ففي أغسطس 2019، وجّه العراق رسالة «شكوى رسمية» إلى الأمم المتحدة اعترض فيها على إنشاء الكويت منصة بحرية في فشت العيج، وهي مساحة من الأرض تقع بعد النقطة 162.
تعتبر الكويت أن فشت العيج واقعة ضمن سيادتها، فيما يرى العراق أن خطوة الكويت تُحدث تغييراً في الحدود البحرية قبل التوصّل إلى اتفاق.
وقد التفّت بغداد على اللجنة الوزارية المشتركة، ما أدّى إلى تدويل الخلاف.
علاقات فريدة
تُعد العلاقات الكويتية - العراقية فريدة لأنها تحوّلت من العداء، إلى الاحترام المتبادل، خصوصاً بفضل الجهود الكبيرة التي بذلتها الكويت لمساعدة العراق والمبادرات الإيجابية التي كرّست حُسن النية والرغبة في علاقات على أساس الاحترام المتبادل.
واستطاعت الدولتان تحسين علاقاتهما، لكن الانقسامات الجيوسياسية في المنطقة والتحديات التي يواجهها العراق بشكل خاص عرقلت آفاق حلّ بعض القضايا، ومن بينها الحدود البحرية.
وتؤكد عوامل عدّة أن الكويت والعراق يمتلكان الأسس اللازمة للمضي قدماً.