تجتاحنا لحظات نفكر فيها في التغيير؛ تغيير شيء ما في حياتنا، لأننا لسنا راضين أو مقتنعين بواقعنا، أو بما يحصل لنا، ونظن أننا نستحق أفضل، وهذا أمر طبيعي أن يتمنى الإنسان حياةً أفضل، بكل تفاصيلها.
لحظات «الكشف» هذه سرعان ما تتلاشى لأسباب كثيرة، ليس هذا مجالها، لكن معظمنا لا يتغير واقعه، ولا تتبدل أحواله، ويظل كما هو، نعم تأتيه لحظات التمني بواقعٍ أفضل، وتتملكه الرغبات لتصحيح مسار حياته في مجال معين، أو ربما في كل المجالات، لكنها لحظات لا تدوم، ورغبات لا تتحقق، على الرغم من أنه ربما لا تنقصنا المعرفة، ولا حتى الخبرة، ولكن تنقصنا الجدية في البدء في عمل ما نستطيع.
هناك حكمة جميلة (تُنسب للرئيس الأميركي ثيودور روزفلت، على الرغم من عدم ثبوتها) تقول «افعل ما تستطيع، بما لديك، أينما كنت»، وهذه الحكمة – بزعمي- عميقة وتكاد تكون أهم بوصلة تقودنا في حياتنا، بغض النظر عن المجال الذي نتعامل معه. ليس مطلوباً منك سوى أن تفعل ما تستطيع فعله، بما لديك من امكانات وموارد، وفي المكان الذي أنت فيه الآن في حياتك؛ هذا فقط المطلوب منك.
عندما يفكر أحدهم في ممارسة رياضة المشي، كعادة صحية يود ادخالها في حياته، يعتقد أنه ينبغي عليه أن يمشي لمدة ساعة يومياً (مثلاً)، طوال الأسبوع، وأن يمارس رياضات أخرى لكي يخسر وزنه الزائد، وقد يبدأ بالفعل في ذلك، لكنه سرعان ما يملّ ويتعب، فيترك الأمر كله.
هذا ما أعنيه بافعل ما تستطيع، وهذا يكفي.
اذا كنت تستطيع المشي لمدة عشر دقائق في بادئ الأمر، فافعل، ولا تزد على ذلك.
وان كنت تستطيع المشي لمدة ربع ساعة فافعل... المهم أن تفعل ما تستطيع فعله بالموارد التي تملكها، ومن الآن من مكانك الحالي، فلا تنتظر معجزة ستحدث لك، ولا تتمهل حتى يبدأ الأسبوع أو الشهر أو حتى السنة الجديدة لكي تبدأ في ذلك.
ابدأ من اليوم، وبما تستطيع وهذا يكفي.
الأمر نفسه، ينسحب على القراءة وتعلم المهارات الحياتية والمهنية، وعلى توفير جزء من مدخولك الشهري، وفي التخفيف من وجباتك الغذائية الكبيرة، وفي التواصل مع الأهل والاقرباء، وفي التميز في وظيفتك الحالية.
ليس مطلوباً منك أن تفعل ما لا تستطيع، أو تفكر بتغيير كل شيء في وقت واحد؛ ابدأ بما تستطيع الآن، لا نطلب منك شيئاً أكثر، فإن كنت تستطيع قراءة 5 صفحات من كتاب في كل يوم، فليكن، ابدأ الآن، وان كنت تستطيع تعلم مهارة جديدة تفيدك في وظيفتك، لكن لديك ساعة واحدة اسبوعياً افعل ذلك، فابدأ الآن ولا تتأخر.
التغيير ليس عملية سحرية، بل عملية مستمرة ومنتظمة، حتى وإن كانت مجرد خطوات صغيرة لا تأثير لها في وقتها وحينها، ولكن بعد مرور الوقت، ستؤتي أُكُلُها وثمارها.