الغموض وتضارب المعلومات هو ما يحصل بالضبط في المشهد السياسي الكويتي، خاصة في ما يتعلق بمجلس الأمة؛ فإن كان صحيحاً أنه لا أحد يمتلك الحقيقة، فإن المواطن لا يملك المعلومات التي يستطيع من خلالها الوصول للحقيقة، ليكوّن رأياً ناضجاً في كل ما حصل ويحصل.
قلناها في مقالات سابقة ونعيدها هنا من أن المعلومات ركن أساسي في العملية الديموقراطية، وإنه في غياب المعلومات، أو عندما يتم تزييفها، أو تشويهها، فإنه لا يمكنك الوصول لرأي سليم ومنطقي، وهذا ينسحب على المعلومات المتعلقة بأداء المؤسسات الحكومية والخاصة وذات الطبيعة المجتمعية، وينسحب على جميع الأصعدة في مجتمعنا.
ما الذي حصل أو سيحصل في ملف العفو، وما هي تفاصيله؟ وما الذي حصل في ما شجر بين المطير والوسمي؟ لا أحد يعرف على وجه التحديد، مع أنه وصلتنا روايات متناقضة من أعضاء حضروا الواقعة، ولكل رواية بطلها وشريرها!
هذه مجرد أمثلة بسيطة لما جرى ويجري في المشهد السياسي الكويتي منذ سنوات طويلة؛ غياب المعلومات وانعدامها، أو تجزئتها وبترها، أو اختلاقها تماماً، والناس تبني مواقفها وآراءها بناءً على مواقفها المسبقة من هذا العضو أو ذاك، وليس على المعلومات... مواقفنا عبارة عن انطباعات وقناعات مسبقة، نبحث لها عن تعزيز أو اثبات في روايات تتفق وما نؤمن به سلفاً.
وهذا يقودنا للحديث عن المواقف التي يبديها الأشخاص، خاصة المتابعين للشأن السياسي في المجتمع، فعندما تقرأ تغريدة كتبها أحد الناشطين وهو يعلق أو يبدي رأيه، وهذا حقه، ولكن عندما تتأمل في ما يكتبه، وتربطه بمواقفه المسبقة المعلنة، تجدها هوى نفس ومناكفة، لا ترقى لأن تكون رأياً معتبراً له وجاهته، خاصةً أنه بناها على معلومات وصلته، تتسق مع ما يعتقده، وينبذ ما عداها من معلومات تتعارض مع قناعاته، وهذا ما يجعل رأيه، غير ناضج أو متماسك.
نسمع عبارة «وضع النقاط على الحروف»، ويتم استخدامها حين يود أحدهم كشف أسرارٍ، أو توضيح موقفٍ، في مسألةٍ دار حولها لغط كثير، وشابها غموض شديد، فيبادر إلى الحديث بكل شفافية ووضوح، ليزيل اللبس، ويرفع الغموض. نحن الآن وصلنا إلى مرحلة أنه لا توجد حروف أصلاً لكي نضع النقاط عليها، فلا توجد مؤتمرات صحافية منتظمة لرئيس أو أعضاء المجلس، وكذلك الحكومة لتوضيح ما يدور من موضوعات تهم الوطن والمواطن، وتتواصل مباشرة مع الإعلاميين والجمهور.
لا أحد يتعامل بهذا الشكل، مع أنه في الدول ذات التاريخ الديموقراطي، يتم عقد هذه المؤتمرات الصحافية واللقاءات المباشرة مع الصحافيين والمراسلين بشكل منتظم يكاد يكون يومياً، أو شبه أسبوعي، وإذا كانت هناك أزمة معينة، فإن المؤتمرات الصحافية تُعقد على مدار الساعة، لإحاطة الجميع بما استجد من معلومات.
تمر علينا في هذا البلد أزمات، خاصة السياسية والاقتصادية والأمنية ذات الطابع المحلي والإقليمي، ولكنك لا تعرف ما يحصل على وجه الدقة، وتعيش في لعبة التكهنات للوصول إلى النتيجة، كأنك في البرنامج التلفزيوني «بدون كلام»، وربما هذا ما يُراد للمواطن أن ينتهي إليه.