رأي «الراي»
شيخة الحميضي... سيّدة من معدن نادر



لم تكن «أخت الرجال» فقط بل كانت شهاباً وطنياً وإنسانياً تحرّك في مدار الكويت وحرّكها إلى مصافّ الدول التي تتمتّع بمجتمعات حيويّة تتفاعل مع القضايا المُحقّة بصلابة وإرادة.
شيخة يوسف صالح الحميضي، أمّ محمد، سيدة تشبه بلادها... سيّدة حرّة مُستقلّة، تعلّمت تقدّمت، تظاهرت، تفاعلت مع هموم مُجتمعها بمسؤولية قلّ نظيرها. هي ابنة بيت كبير عريق ترك بصمات خير في كل المجالات فأكملت المسير حاملة مِشعل أمل. وكانت رائدة بين بنات جيلها تحتلّ الصفوف الأمامية بجرأة وتُحفّز قريناتها على المُضيّ قُدماً في مسيرة التحرّر الاجتماعي والسياسي وتُشجّع رجال ذلك الزمان الذين واجهوا التّحدّيات الداخليّة والخارجيّة بثبات وصبر على دعم قضايا المرأة.
وعند الحديث عن الصبر، كانت أمّ محمد من معدن نادر، إذ وقفت إلى جانب زوجها الراحل الرمز الوطني جاسم القطامي في مُختلف مراحل حياته، داعمة له في مواقفه الوطنية، ومُؤازرة له في الانحياز إلى الشعب ضد هراوات السلطة، ومُشجّعة له عندما كان مديراً للشرطة واستقال رافضاً مواجهة التظاهرات، ومُساندة له عندما تعرّض لكل أنواع الضّغوط الشّخصيّة والسياسيّة وحتى الحياتيّة والمعيشيّة... ومع تقدّم العمر واقتحام التعب قامة هذا الرجل التاريخي كانت أمّ محمد الزوجة والصديقة والمُمرّضة تُخفّف عنه وتشدّ من أزره وتُشجّعه على الصمود والتقدّم ومُواجهة المرض بالإرادة نفسها التي واجه فيها كل القضايا الأخرى.
أمّ محمد، سيدة من معدن نادر. واكبت المناسبات السياسية والاستحقاقات الوطنية، وكان زوجها الراحل يُلقّبها بـ «المستشارة الأمينة» نسبة إلى الموضوعيّة التي كانت تتمتّع بها وحصافة الرأي عندما يسألها عن أمر ما.
وكانت الأمّ التي لم يثنها نشاطها عن تنشئة وتربية أولادها والاهتمام بأسرتها.
أمّ محمد، زرعت التغيير في مُجتمعها فحصدت احترام الناس حتى من أولئك الذين لا يشاطرونها الرأي نفسه. ناضلت للاستقلال ودافعت عن القضايا العربية المشروعة كاسِرة الحواجز التي كانت تفصل بين المرأة وحرّية التعبير فوجدت عشرات من النسوة يحملن معها مشاعل الأمل بالتغيير توّاقات إلى كسر المزيد من الحواجز من أجل منعة وطن وحرية مواطن.
استقالت من التّحرّك الميداني ولم تغب عن ميدان الوطن بل بقيت فاعلة في القضايا الاجتماعية والإنسانية وغالبيتها من دون إعلان انسجاماً مع شخصيتها الرافضة للتجارة في عمل الخير.
كانت خلال مسيرتها ملاذاً للباحثين عن نصيحة، مُضيئة لهم طرقات زمان ذلك الحراك الوطني الجامع بامتياز، ينهلون من تجربتها وتجربة زوجها الرّمز الكبير الراحل، وأغمضت عينيها على حلم بقاء الكويت مُتفرّدة مُتقدّمة مُتجدّدة صانِعة تغيير لا لاحقة به.
رحمك الله يا أمّ محمد... وساعدنا على تحقيق ذلك الحلم.