الرأي اليوم
الكويت... مُستقبل مجهول!
حديث الجميع في الكويت حالياً عن الوافدين هو حديث تخبّط الحكومة وقِصر نظرها وضعف تخطيطها وضياع رؤيتها وغياب التفكير الشمولي في الحلول... ويمكن للمُتابعين زيادة ما يشاؤون من سلبيّات وهم على حقّ في ذلك.
المقصود هنا حكومات الشيخ صباح الخالد تحديداً.
حكومات الارتجال في القرار السريع... وحكومات التّراجع عن القرارات بأسرع من إقرارها.
حكومات التخطيط الشمولي المفقود وترك الأمور المصيريّة العامة شأناً خاصاً لوزير أو مجموعة مُستشارين فيما البلد برمّته يدفع الثّمن.
حكومات الانهيار الاقتصادي بامتياز، وكأن جائحة كورونا أعطتها الحافز والحُجّة للتّعاطي بسلبيّة مُفرطة مع القطاعات المُنتجة بدل أن تعطيها قُوّة التحدي والدعم كي لا يُصاب الهيكل الاقتصادي بفيروسات التخلّي والتجاهل والتخبّط... وما ينتج عنها من خسائر جسيمة للبلاد والعباد.
حكومات المُعالجات الترقيعيّة لا الحلول الجذرية. تعاملت مع الكويتيين كحقل اختبار عبر اتخاذ قرارات «تجريبيّة» فإن سارت المياه في أقنيتها أكملوا التجربة وإن شحّت المياه واحترقت التربة تراجعوا عن القرار غير آبهين بحجم الخسائر التي تراكمت.
من التعاطي بالملفّ الاقتصادي الذي كاد يُدمّر كلّ هياكل البنى المُنتجة، إلى التعاطي مع ملف الوافدين. وهنا لا بدّ من كلمة صريحة بل موجعة.
أولا، لا أحد يجادل في أن التركيبة السكانية مُختلة وبحاجة إلى إصلاح. لكن أحداً أيضاً لا يجادل في أنّ المُتسبّب بهذا الخلل هي الحكومات المُتعاقبة منذ عقود، والسياسات الخاطئة التي اعتمدت مبدأ «الفواتير السياسية» وغضّت النظر عن تُجّار الإقامات وتركت الأزمة تكبر من دون معالجات تشريعية وتنفيذيّة، بل وصل الأمر إلى إلغاء وزارة التخطيط كي لا تلعب دوراً في تنظيم هذا الملف الشائك.
ثانياً، ولا أحد يجادل في ضرورة أن تكون الأولويات للكويتي في مُختلف مجالات العمل القادر على خوضها، وأن يكون الشّخص الكويتي المُناسب في المكان المُناسب.
ثالثاً، إن كنّا ندّعي التّحضّر، وبعض حكوماتنا للأسف تظهر نقيض ذلك، فعلينا مُناقشة موضوع الوافدين لا في الإطار العنصري أو الشعبوي بل في إطاره العلمي والعملي المُرتكز على حاجات سوق العمل وتغطية المجالات التي يبرع فيها الوافدون والاستفادة منهم في دفع العجلة التنموية، شأننا في ذلك شأن الدول المُحيطة بنا التي أعطت حوافز وإقامات ذهبية، وشأن دول العالم المُتقدّم التي ساهم الوافدون في نهضتها.
كيف تعاملت حكومات صباح الخالد مع الوافدين؟ كعادته في ردّة الفعل عقب كل صوت نيابي يرتفع. نقل الخالد ملفّ التركيبة السكانية الذي هو ملفّ وطنيّ بامتياز، بل في صلب الأمن القومي للكويت، من إطاره المُؤسّسي الشامل إلى الأفراد سواء كانوا وزراء أو مستشارين.
رفع شعاراً برّاقاً يستحيل أن يُنفّذ خلال خمس سنوات وهو التوصّل إلى نسبة 70 في المئة من التركيبة السكانية للكويتيّين و30 في المئة للوافدين. وبدل أن يعيد النظر في آليات تطبيق الشعار اتّخذ إجراءات غير واقعيّة نتيجتها التّخبط وضرب سمعة الكويت وإصابة الاقتصاد بخسائر مباشرة.
لنكن صريحين أكثر، تم استغلال جائحة كورونا وإقفال المطارات وصعوبة البقاء وتجديد الإقامات في خفض عدد الوافدين بعشرات الآلاف.
ثم تفتّقت «عبقرية» البعض لتنفيذ شعار «70/30» من خلال وضع شروط على من تجاوز الستين عاماً لجهة ربط بقائه في الكويت بشهادة جامعية، وهؤلاء أيضاً بعشرات الآلاف غالبيتهم مهرة يعملون في مهن أساسية لكل بيت ولكل سوق في الكويت... وفي ملفّ الستين وما رافقه من تخبّط في القرارات ما زلنا نعيشه ما يطيح بعشر حكومات لا بحكومة واحدة.
وامتدّت «العبقرية» أيضاً إلى رخص قيادة الوافدين، جميع الوافدين، على أن تسحب منهم ثم يُعاد تنظيم منحها. أي كان القرار يهدف إلى خلق فوضى في سوق العمل تطول مئات الآلاف، من الطبيب الوافد إلى السائق في المنزل وما بينهما من أساتذة ومستشارين ومهندسين وعُمّال ومُوظّفين...
ومثلما حصل في فضيحة «الستين» حصل في فضيحة «رخص القيادة». يُؤخذ القرار ثم يُجمّد، ثم يصدر قرار جديد بمعطيات مُختلفة ثم يُجمّد، ثم تتعلّق الأمور ويتم تحميل قيادي في هذه الجهة أو تلك مسؤولية الأزمة ويبقى الوزير ورئيسه فوق شبهات التّخبّط والتقصير.
ويا صاحب الحلّ والرّبط، هذه الأمثلة الواضحة تحتاج توجيهاً مباشراً لرئيس الحكومة بأن يتعامل مع العمالة الوافدة بما تقتضيه أهمية وضرورة وخطورة الملفّ.
هم قوّة عمل كبيرة في بيوتنا وشوارعنا وأسواقنا وكل الإدارات في القطاعين العام والخاص، وإذا كان هناك من أخطاء تراكمت على مدى عقود فيستحيل أن تُحلّ بهذه الطرق العشوائية الارتجالية.
هذه الأمثلة تحتاج توجيهاً واضحاً بأن ملفاً يعتبر في صلب الأمن القومي لا يجب أن يُترك لأفراد أو جهات بل يجب أن يُعالج على مستوى الدولة ككلّ.
وهذه الأمثلة تحتاج توجيهاً بمعالجة حذرة ودقيقة لأن دول الجوار مثلما استقطبت الكويتيين وأعمالهم بعد الأداء السيئ للحكومة تجاه أصحاب المشاريع وقطاعاتهم المُنتجة، فإنها ستستقطب حكماً العمالة الوافدة الماهرة في الكويت التي تنام على قرار وتصحو على تجميد وتصبح على قرار آخر وتمسي على تضييق.
يا صاحب الحلّ والرّبط، إلى أين تتّجه الكويت في ظلّ حكومات تسيء التعامل مع الكويتيّين والوافدين؟ وإلى متى تبقى المُناشدات قائمة والمُعالجات نائمة؟ هذا الأداء من حكومات اللاقرار لا يضع مستقبل الكويت إلا في إطار المجهول فهل من مجيب؟