ميسي «سَبْع»... ولكن
مرة ثانية، تثبت جائزة «الكرة الذهبية» التي تمنح سنوياً لأفضل لاعب كرة قدم في العالم، بأنها تفتقد إلى «مصداقية معينة» كي تبقى «مرموقة» كما تريد لها الجهة المانحة، مجلة «فرانس فوتبول» الفرنسية، أن تكون، استناداً إلى عراقة تتغنّى بها على مسافة زمنية تمتد من العام 1956.
نجم برشلونة الإسباني السابق وباريس سان جرمان الفرنسي راهنا، الأرجنتيني ليونيل ميسي، رصّع، في باريس، سجله الناصع بالألقاب والجوائز، بـ«كرة ذهبية»، هي السابعة في مسيرته بعد الأعوام 2009، 2010، 2011، 2012، 2015 و2019.
لكنّ سؤالاً «دائماً» يفرض نفسه سنوياً: ما هي المعايير التي تُمنح على أساسها هذه الجائزة؟
بحسب «فرانس فوتبول»، يستند الاختيار على 3 معايير:
1 - الأداء الفردي والجماعي خلال السنة
2 - تصنيف اللاعب (الموهبة واللعب النظيف)
3 - المسيرة المهنية
الجهة التي تقوم بالاختيار محصورة في صحافيين من مختلف دول العالم على أن يكون لكل دولة ممثل واحد. وفي سباق العام الجاري، بلغ العدد 180 إعلامياً اختاروا 5 لاعبين من لائحة ضمت 30 لاعباً، على أن يُمنح الأول 6 نقاط، الثاني 4، الثالث 3، الرابع 2، والخامس نقطة واحدة.
ثم تُجمع النقاط، فينال صاحب المجموع الأكبر «الكرة الذهبية».
ميسي تفوق، هذه السنة، على مهاجم بايرن ميونيخ الألماني، البولندي روبرت ليفاندوفسكي، ولاعب تشلسي الإنكليزي، الإيطالي جورجينيو.
ويبدو أن «البرغوث» (34 عاما) نجح في ترجيح كفته بالتأكيد بفضل تتويجه مع منتخب بلاده بـ«كوبا أميركا»، وهو اللقب الدولي الأول منذ 16 عاماً.
وما أن جرى الإعلان عن فوز ميسي حتى اشتعلت مواقع التواصل الإلكتروني. هذا يؤيد وذاك يعترض، وكل فئة تطرح كمّاً من الحجج، بعضها منطقي وبعضها الآخر عاطفي.
نشير هنا أيضاً إلى أن «فرانس فوتبول» افتقدت إلى المهنية، فقد «اخترعت» جائزة وأعلنت عنها، قبل ساعات من الحفل، وتتمثل في جائزة «أفضل هداف في العام»، ونالها ليفاندوفسكي، لتأتي من باب المجاملة أو «الترضية» للاعب يستحق، بالنسبة إلى كثيرين، «الكرة الذهبية» أكثر من ميسي، خصوصاً أن إلغاء الجائزة، في العام الماضي، أدى إلى حرمان «ليفا» من هذا الشرف بعد موسم رائع قدمه مع «بايرن»، ليكتفي بنيل لقب الاتحاد الدولي «فيفا» لأفضل لاعب.
الأسوأ من ذلك، أن «فرانس فوتبول» اخترعت جائزة أخرى «غبّ الطلب» تتمثل في «أفضل فريق»، لمجرد أن تشير إلى أنها لم «تخترع» جائزة وحيدة فقط بقصد ترضية أحدهم، بل أنها عمدت إلى استحداث جائزتين.
وجاءت جائزة ليفاندوفسكي بتصميم سيئ للغاية لا يليق باللاعب والحضور ولا حتى بالمجلة العريقة نفسها.
«معسكر ميسي» الذي احتفل بـ«السابعة» برّر الانتصار المستجد باعتبار أن موهبة اللاعب كُرّمت بـ«الكرة الذهبية».
لا خلاف على أن ميسي هو الأكثر موهبة في جيله. ونسأل: أين كانت تلك الموهبة عندما فاز الكرواتي لوكا مودريتش بـ«الكرة الذهبية»؟ هل جرى ركنها في الدرج أم وُضعت على الرفّ؟
كانت موهبة ميسي حيّة تُرزَق، وبالتالي كان يجدر منح الجائزة للأرجنتيني سنوياً منذ 2006 عندما قام بخطواته الأولى على المسرح الاحترافي.
وعندما يتغنّى عشاق ميسي بموهبته الآثرة التي حسمت سباقه مع ليفاندوفسكي، فإن عليهم، في الوقت ذاته، انتقاد «فرانس فوتبول» التي حيّدت تلك الموهبة التي يعتدّون بها عندما منحت الجائزة، سواء لمودريتش أو حتى للبرتغالي كريستيانو رونالدو، في ظل وجود «ليو».
هذا يعني، في ميزانهم، بأن «الكرة الذهبية»، إمّا ليست منطقية في اختيار فارسها، أم أن «الموهبة» ليست السبب الأول لمنحها لهذا أو ذاك.
مَنحُ مودريتش الجائزة في وجود ميسي يعني أن المعيار ليس الموهبة. وبالتالي حصول «ليو»، هذه السنة، على «الكرة الذهبية»، بناءً على الموهبة، كما يقول عشاقه، مرفوض رفضاً قاطعاً.
أمّا البناء على تتويج «البرغوث» بـ«كوبا أميركا»، هذا العام، فهو لا يبرر الاختيار، لأن الإنجاز يبقى شخصياً ضيقاً لا علاقة لنا فيه، علماً أنه تحقق في ظل منتخبات متهالكة في أميركا الجنوبية.
إسبانيا حققت كأس العالم للمرة الأولى في تاريخها العام 2010، فلمَ لم يحصل أندريس إنييستا أو تشافي هرنانديز على «الكرة الذهبية»؟
في 2006، مُنحت للإيطالي فابيو كانافارو لأنه قدم أداءً لافتاً مع منتخب إيطاليا المتوجة بكأس العالم، لكن «الأكثر موهبة»، في تلك السنة، كان البرازيلي رونالدينيو وربما الفرنسي زين الدين زيدان.
المشكلة أن «فرانس فوتبول» تتعمّد إحراج نفسها، في مسألة حساسة، عوض أن تصل إلى آلية منطقية.
أثبت الاعتماد على الصحافيين بأنه بعيد عن مصداقية مطلوبة، لأن العاطفة تأخذ حيزاً كبيراً من الاختيار، ومن ذا الذي يؤكد بأن ذاك الصحافي ملمّ بأسرار اللعبة؟
الحل الوحيد يتمثل في اعتماد لجنة من خبراء اللعبة يدركون بأن مصداقيتهم موضوعة على طاولة الامتحان، فيختارون اللاعب الذي يستحق، من دون عرض الأسباب أو المعايير على أحد.
تصوّروا لجنة تضم الإيطالي أريغو ساكي، الألماني فرانتس بكنباور، الإنكليزي بوبي تشارلتون، الإسباني فيسنتي دل بوسكي، الأرجنتيني كارلوس بيانكي، الأوروغوياني أوسكار تاباريز، الفرنسي أرسين فينغر، الأسكتلندي أليكس فيرغوسون، وغيرهم ربما. هل ثمة من يعترض على اختيار هؤلاء؟ ربما، إحدى الجهات الراعية للجائزة قد تفعل ذلك... وربما فعلت، مساء الإثنين، عندما حلّق ميسي في «السماء السابعة».