تراوح بين تعويضات ورفع عقوبات... و«اتفاق اليوم لن يمزق غداً»
إيران تسعى لضمانات لفك «عقدة» النووي
يكثر الحديث عن قرب عودة ملف إيران النووي إلى طاولة المفاوضات في فيينا، في 29 نوفمبر الجاري، إلا أن النتائج المحتملة لجولة المفاوضات الجديدة، «لن تكون مبهرة ولن تأتي بالكثير بل ستضرب كل التوقعات الإيجابية»، كما ترى مصادر مطلعة في طهران.
ما هي الأسباب وراء خفض مستوى التوقعات؟ وما هي أهداف إيران؟ وكيف ستتعامل معها الولايات المتحدة؟
منذ تسلم حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي، مقاليد الحكم، وهي تنشط لتعزيز الاتفاقات الإستراتيجية مع الصين وروسيا وأخيراً مع تركيا.
وفي الوقت نفسه، تكثف طهران من قدراتها العسكرية الصاروخية وتنهمك بتقوية حلفائها في منطقة غرب آسيا لتذهب إلى المفاوضات النووية وبيدها «حلفاء أقوياء»، حققوا ليس فقط انتصاراً على أرض المعركة بل حصنوا مناطق نفوذهم مما يعطي المزيد من القوة للمفاوض الإيراني غير المستعجل لإبرام اتفاق لا ضمانات فيه.
وكان نائب وزير الخارجية للشؤون السياسية والمسؤول عن ملف التفاوض النووي علي باقري كني، التقى مسؤولين أوروبيين معنيين بالاتفاق النووي، وآخرهم منسق الاتحاد الأوروبي في المحادثات النووية أنريكي مورا في مبنى السفارة الإيرانية في مدريد.
وقالت مصادر إيرانية معنية لـ«الراي» ان طهران تريد 4 ضمانات، هي:
• تقديم أميركا ضمانة بأن الاتفاق النووي لن يمزقه الرئيس الأميركي المقبل - أو حتى الحالي - بعد التوقيع مجدداً عليه، خصوصاً أن الرئيس السابق دونالد ترامب مزقه عام 2018 وما زال الرئيس جو بايدن يحافظ على كل العقوبات القاسية التي فرضها سلفه ويفاوض «تحت النار».
• إن إيران لن تصب الإسمنت في مفاعلها مرة أخرى، كما فعلت عند توقيع الاتفاق النووي عام 2016، لأن ذلك من شأنه أن يؤخر التقدم النووي الذي تستطيع بلوغه، وتالياً فإن الكلفة الباهظة المطلوبة من طهران للعودة إلى الاتفاق النووي من دون ضمانات، لم تعد مطروحة ولن تقوم بها مرة ثانية.
• هناك تعويضات وأضرار جانبية تطالب بها إيران قبل التوقيع على اتفاق نووي من جديد، ومن دون إدخال أي تعديل، وهي لن تساوم عليها وتريد معرفة الجهة التي ستعوّض عليها خسارتها.
• ينبغي على أميركا رفع كل العقوبات المالية والاقتصادية والتجارية عن إيران، وهي أكثر من 1650 عقوبة فرضتها الإدارات الأميركية منذ عام 1980 وكان لترامب النصيب الأكبر بفرضها والتي عرفت بـ«عقوبات الحد الأقصى والأشد قسوة».
وهذا من شأنه إعطاء ضمانات للشركات الدولية إذا دخلت الأسواق الإيرانية مستقبلاً.
ما تحاول إيران فعله - وقد نجحت - هو تحشيد الدعم الصيني والروسي اللازمين في أروقة الأمم المتحدة لمنع أي قرار أممي بالعقوبات عليها.
وتالياً فإن العلاقات الإستراتيجية التي تبنيها طهران تهدف إلى تعزيز «اقتصادها المقاوم» الذي بني على أساس أن العقوبات باقية إلى أمد غير محدد، خصوصاً أن بايدن ساهم بفرض بعضها، وهذا أعطى صورة واضحة لأصحاب القرار في إيران بأن الرئيس الأميركي، لا يريد رفع جميع العقوبات، بل يزيد منها، ولا يريد تقديم أي ضمانات تمنعه ومن سيخلفه من تمزيق الاتفاق النووي والعودة إلى نقطة الصفر، وتالياً هو لا يختلف كثيراً عن غيره من الرؤساء السابقين.
لذا فان إيران لا تندفع نحو إحياء اتفاق من المحتمل ألا يحترم لفترة متوسطة أو طويلة ولا يتضمن العودة إلى الاتفاق نفسه الذي وقع مع الرئيس السابق باراك أوباما عام 2015.
ولهذا السبب، وفي انتظار دعم الموقف الإيراني إقليمياً ولدى الدول الكبرى مثل روسيا والصين، أوقفت طهران المفاوضات من نهاية يونيو حتى نهاية نوفمبر، ولن تقبل بأي تعديل جديد تحاول أميركا دسه بين أسطر التفاوض في فيينا.
وهذا من شأنه إقناع واشنطن بأن أي مواجهة عسكرية لن تكون بمثابة نزهة وأن الاحتمالين الوحيدين على الطاولة هما: القبول باتفاق 2015 كما هو مع تقديم الضمانات ورفع كل العقوبات أو مشاهدة إيران تصل إلى الدورة النووية الكاملة.
وبسبب قلة الخيارات وضعف احتمال المواجهة العسكرية الأميركية - الإيرانية، فقد رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت استقبال المبعوث الأميركي الخاص للملف النووي روبرت مالي، الذي وصل إلى تل أبيب، لتأكيد المؤكد بأن أميركا لا تضع «خيار الحرب» على إيران على الطاولة، كما يتمنى بينيت، الذي يدرك أنه لن يستطيع حشد الدعم العسكري اللازم لضرب إيران عسكرياً، وتالياً فإنه لن يذهب وحيداً... وهذا ما دفعه للجلوس في زاوية «يلعق جراحه» ويجعل مسافة بينه وبين واشنطن في ما يتعلق بالملف النووي.
تريد أميركا وإيران العودة إلى «النووي»، ولكن الطرفين غير متفقين على الآلية والمضمون والأولوية وتفاصيل الاتفاق الأساسي، وتالياً، وصلت الأمور إلى طريق لا أفق له ولا مخرج من هذا النفق، إلا إذا قبلت الأطراف التنازل المتبادل.
فقد حصلت إيران على 3.5 مليار دولار من أموالها المجمدة كبادرة حسن نية أميركية، إلا أن هذا لا يكفي لإقناعها بأن «اتفاق اليوم لن يمزق غداً».