الرأي اليوم
حديث الحقائق والأرقام يا وليّ العهد
سموّ وليّ العهد الشيخ مشعل الأحمد تحيّة الكويت الطيّبة وأهلها الكرام اخترت مُخاطبتكم شخصياً وعلناً في موضوع يهمّ الجميع لأسباب عدة أهمها: اهتمامكم الشخصي بموضوع تحسين الاقتصاد وتطوير الإدارة وتحسين الأداء ومُحاربة الفساد ودعم الأطر الإصلاحيّة التي توقف الهدر والتجاوز.
ولأنّ مُخاطبة الحكومة بالتأكيد غير مُجدية فقد بُحّ الصوت وجفّت الأقلام سابقاً ولم تبدِ اهتمام بهذا الكلام رغم أهميّته للكويت والكويتيّين، وكان هاجس رئيسها وغالبية أعضائها ألّا تتناولهم تغريدة هنا أو تهزّهم إشاعة هناك فتغيّرت، للأسف الشديد، قرارات إستراتيجية استجابة لتصريح أو تهديد.
كما أن مُخاطبة مجلس الأمة لن تُوصّل إلى أيّ نتيجة بعد الأداء المُتواضع، كي لا نقول المُخجل، للجميع بلا استثناء تحت قُبّة عبد الله السالم حيث لا صوت يعلو على صوت المصالح الانتخابية والشخصيّة.
من الاستهلال إلى صلب الموضوع.
مرّت الكويت وكلّ دول العالم بظروف اقتصادية صعبة غير مسبوقة بسبب جائحة كورونا التي كمّمت كلّ مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية وليس الأنوف فقط. وكان من الطبيعي أن تنعكس هذه الأجواء السلبية على أداء الشركات ونتائجها فعاشت مراحل اختناق تضرّر منها كثيرون وخسر كثيرون وأفلس كثيرون.
في الفترة الأخيرة ومع تقدّم المُؤشّرات الصحية الإيجابية وانفتاح البلد بدأت الأمور تتحسّن، وعادت العجلة الاقتصادية إلى الدّوران. ظهرت نتائج الربع الثالث لعام 2021 وأظهرت وقوف الشركات على قدميها مُجدّداً فانتقلت من الخسارة أو الجمود إلى الربح مما حرّك السوق وأفاد المساهمين وأشاع جوّاً إيجابياً في مُجمل الحركة الاقتصادية. شركات كثيرة حقّقت نموّاً لافتاً في فترة قصيرة جداً منها على سبيل المثال لا الحصر «الصناعات الوطنية» بنموّ بلغ 226 في المئة وبنك وربة (180 في المئة) والبنك الأهلي الكويتي (365 في المئة) والوطنية القابضة (529 في المئة) وطيران الجزيرة (100 في المئة) وبيت الأوراق (550 في المئة) وغيرها الكثير... ومع ذلك لا بدّ من قول ما يعرفه جميع الكويتيّين وهو أنّ الشركات الكويتية كانت مقارنة بمثيلاتها في المنطقة والعالم الأقلّ حُصولاً على الدعم والمُساندة خلال الأزمة من حكومتها بل على العكس من ذلك سبّبت لها تصرّفات الحكومة ضرراً كبيراً ساهم في زيادة تضرّرها خلال الجائحة.
صمود وثبات الشركات الكويتيّة في الأزمة وتحقيقها للنجاح بعد الانفراج النّسبي يعود وبعد توفيق المولى عزّ وجلّ أوّلاً وقبل كل شيء إلى قدرتها واحترافيّتها الإداريّة والتعامل مع المُتغيّرات والظروف الصعبة والتحوّلات المُفاجئة.
سموّ وليّ العهد...
في مُقابل الشركات الخاصة التي انتقلت إلى الربح بعد الجمود والخسائر، ومُقارنة بالظروف نفسها والمُدد الزمنية عينها، ما زالت شركات القطاع العام وتلك التابعة للحكومة، وتدار بعقلية الحكومة، تُحقّق خسائر فلكيّة رغم أن كل خزائن الدولة مفتوحة لها.
إنّ هذه الخسائر هي استنزاف ما بعده استنزاف للمال العام فيما «الرّشيدة» تُطالب بالترشيد المالي وتدعو الشعب والسلطات والمؤسسات إلى «العقلانية» وشدّ الأحزمة... سوء الإدارة يُؤدّي إلى فساد ويُمهّد لنتائج أسوأ من نتائج الفساد الذي يمكن أن يعالج فيما النهج الخاطئ يحتاج جراحات مُؤلمة.
وقبل أن يشحذ بعض مُمتهني التصيّد وبعض النواب سكاكينهم اللفظيّة للإيحاء بأنّ الهدف من هذا العرض والتشريح هو تسريع الخصخصة وتمدّد التجار على الشركات الحكومية، فالجواب بسيط ومباشر: لا أصحاب الشركات الناجحة مُستعدّون للمغامرة بشراء وإدارة شركات خاسرة وتحمل في بطنها آلاف العقد الوظيفية والإدارية، ولا الحكومة تنتظر تهيئة الأرضيّة اللازمة لإقرار قانون الخصخصة لأنّ القانون موجود بالفعل وسبب عدم تفعيله تُسأل عنه الحكومة.
سموّ وليّ العهد...
التغيير في يدكم، ولو طلبتم تقريراً دقيقاً عن حجم خسائر بعض الشركات العامة في السنوات الخمس الماضية وكم دعمتها الحكومة ستُصدمون من الأرقام، فالموضوع أشبه بضخّ مياه مُستمرّ في سلّة قشّ مثقوبة من كل طرف. ولو حلّلتم أرقام الخسائر هذه لوجدّتم أنها كان يمكن أن تغطي الطلبات الإسكانية كلّها وتبني مُختلف الأراضي الفضاء الصالحة.
مدخل الحلّ، يا سموّ وليّ العهد، تكليف جهات ثقة مثل الهيئة العامة للاستثمار وغرفة التجارة مع الاستعانة بفريق من المُختصّين والخبراء الأجانب المشهود لهم في هذا المجال لدراسة ملف كل شركة على حدة نظراً لاختلاف طبيعتها والتدقيق بمسار إدارتها قبل أرقامها ووضع الحلول والاقتراحات العلمية لإعادة هيكلتها وإخراجها من حالة الانهيار المُستمرّة والخسائر المهولة إلى حالة من التوازن ثم الانطلاق بمعايير جديدة.
سموّ وليّ العهد، يقول سيد الأنبياء:«كُلّكم راعٍ وكُلّكم مسؤول عن رعيته». و«إذا عمل أحدكم عملاً فليتقنه»... وما عَهِدكم أهل الكويت إلا راعياً صالحاً يعمل بكلّ إخلاص لإتقان ما فرضته أمانة التكليف عليكم.
دمتم سالمين.