هواجس «اختلاف الرؤى» تتربّص بتحرك لبنان صوب صندوق النقد



لم تفلح الحكومةُ اللبنانيةُ في أوّل اجتماعاتها الرسمية (الأربعاء) بعد نيل ثقة مجلس النواب في إحداث كامل الصدمة المأمولة لإظهار الجدية في خياراتها المعتمَدة للخروج من حال الغيبوبة التي أنهكت البلد وناسه واقتصاده من دون هوادة على مدى عامين متتالييْن.
وبحسب مصادر مُوالية فاعلة، فقد بدت انطلاقةُ الحكومة مشوبة بالعيوب الداخلية عيْنها التي فوّتت فرصاً إنقاذية يصعب تكرارها، وفشلت بالاستثمار السياسي والاقتصادي الكفوء في المبادرات الخارجية التي تحشد الدعم والتمويل بشروط بديهية.
ورصدتْ المصادر تَعَثُّراً «شكلياً» يُخشى أن يتمدد إلى صلب المهمة، في أولى خطوات ملفِ عقْد اتفاق برنامج مع صندوق النقد الدولي، بالنظر إلى أولويّته المطلقة والإدراك المسبَق بأنه الاستحقاق الداهم والأكثر حيوية في مقاربة كامل الأزمات التي دنت من مستوى الاستعصاء، بدءاً من احتواء تَعاظُم الاختلال في التوازن المعيشي وانضمام نحو 80 في المئة من السكان إلى «جحيم» الفقر، وصولاً إلى إعادة تكوين الأصول في القطاع المالي وإعادة هيكلة الدين العام البالغ رقمياً نحو 100 مليار دولار واعتماد مسارات برامج اصلاحية موثوقة.
وعكست تشكيلة الفريق اللبناني المكلّف إعادة هيكلة خطة «الانقاذ والتعافي»، وزناً مضمراً للمحاصصة المعهودة بين أفرقاء متنازعين أساساً في إدارة الدولة وكل ما يتصل بالشأن العام، ما أثار هواجس مشروعة لدى أهل القطاع المالي من «استنساخ» تجربة تَناقُض المداخلات والتقديرات عند استئناف جولات المفاوضات المباشرة مع إدارة الـ IMF وخبرائه. علماً أن عاملَ الوقت الضيّق وَضَعَ الحكومةَ مسبقاً حيال سباقٍ صعب يقتضي الجري السريع «متأبّطة» كل الأحمال التي ضاعفت أثقالَها الحكومةُ السابقة عبر تبديد كامل الاحتياطات الحرة من العملات الصعبة. ولم يَسْلم من شهية الصرف بواسطة قراراتها الاستثنائية سوى رمق حقوق السحب الخاصة البالغة نحو 1.14 مليار دولار والتي وردت حديثاً إلى حساب البنك المركزي.
ويُخشى أن تتفشّى الهواجسُ «الاستباقية» إلى المؤسساتُ المالية ووكالات التصنيف الائتماني التي تراقب عن كثب التطورات الداخلية ومنهجية العمل لدى الحكومة الجديدة. فسجلّ لبنان لديها ضعيف للغاية في تطبيق الإصلاحات، رغم أنه يعاني إحدى أسوأ الأزمات الإقتصاديّة دوليّاً خلال القرن الماضي، مع إنكماش الناتج المحلّي الإجمالي من 55 مليار دولار في العام 2018 إلى 33 مليار دولار في العام 2020 وتدهور سعر صرف العملة المحليّة بأكثر من 90 في المئة، ما أطاح بالقدرة الشرائيّة الحقيقيّة للمواطنين وإرتفاع معدّلات الفقر من 42 في المئة في 2019 إلى 82 في المئة في 2021.
وليس بعيداً عن أجواء الريبة المستجدة، تَعَمُّد تعويم دور شركة «لازارد» التي أعدّت غالبية بنود الخطة السابقة، فيما تغافلت برضى السلطة التنفيذية عن موجبات مهمتها الاستشارية بوضع برنامج وعقد جولات للتفاوض مع الدائنين المحللين والخارجيين الذين يحملون نحو 35 مليار دولار من السندات الحكومية الدولية. وكان الحاصل أن هذه الخطة جُبهت باعتراضاتٍ جوهرية من القطاع المالي ولجنة المال النيابية بسبب تضخيم تقديرات الخسائر المحقَّقَة لتبلغ نحو 240 تريليون ليرة أو نحو 69 مليار دولار بتسعيرٍ مقترح يبلغ 3400 ليرة لكل دولار آنذاك، ثم بتحميل «الفجوة» كاملة على البنك المركزي والمصارف والمودعين، توازياً مع شبه تنصل تام للدولة التي استدانت هذه الأموال وصرفتها بسخاء مشهود له بالهدر والفساد والمحسوبيات.
وثمة قلق جدي من نقْل اختلاف الرؤى والتقديرات الى الخطة المحدَّثة التي أنيط باللجنة الوزارية والمعزَّزة بـ «المستشارين» إنجازها في مهلة ثلاثة أسابيع، وبالتالي تحوّلها عقبات كأداء تفرمل توجهات الحكومة ورئيسها في تسريع التحضيرات لاستئناف جولات التفاوض مع إدارة صندوق النقد، ولا سيما أن العديد من مؤسسات المجتمع الدولي تحذر من الاستمرار بانعدام المسؤولية السياسية تجاه كسر الجمود، لا سيما بالنظر إلى حال الطوارئ التي يمر بها لبنان. بينما دعت منظمات المجتمع المدني إلى إجراء نقاش عام وحوار شامل في شأن السياسات مع الحكومة والتزمت بتقديم مقترحات ملموسة إلى الوزراء ضمن إطار الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار.
وفي الحسبان ان المؤسسات الدولية طالما نوّهت صراحةً بأنّ وضع لبنان السيّء قد تفاقم نتيجة إستنزاف إحتياطاته بالعملة الأجنبيّة، وهو ما تفاقم بصورة دراماتيكية إبان فترة «تصريف الأعمال» من الحكومة السابقة، حيث تم إلزام البنك المركزي بتبديد أكثر من 7 مليارات دولار على تمويل دعم مستوردات استراتيجية خلال 13 شهراً، وبذريعة العمل على إصدار بطاقات تمويلية لنحو 500 الف أُسْرة. بينما ثبت بالقرائن المعيشية ان الدعم لا يصل إلى مستحقيه إلا بنسب لا تتعدى ربع المبالغ المصروفة، وما زالت البطاقة «موقوفة» قيد التسويف والمماطلة.
ومن المعلوم أن صندوق النقد يشترط تنفيذ عدّة إصلاحات قبل الإفراج عن أيّ مساعدات بحيث تتضمّن هذه الإصلاحات تطوير أنظمة الحوكمة والبدء بالتدقيق في حسابات مصرف لبنان والمؤسّسات التابعة للدولة اللبنانيّة وتصحيح الماليّة العامّة عبر إعادة هيكلة الدين وإلغاء تعدُّد أسعار الصرف وتطبيق قيود رسميّة على تحويل الرساميل.
كما ترصد وكالات التقييم الائتماني أن أحد المشاكل الرئيسيّة هي الرصيد الصافي السلبي للإحتياطات بالعملة الأجنبيّة لدى مصرف لبنان وتداعياته على المصارف والمودعين.