مقاومة الإنسولين... تجلب «الاكتئاب الشديد»
أظهرت دراسة أميركية حديثة نشرت في العدد الحالي من المجلة الأميركية للطب النفسي أن مقاومة خلايا الجسم لهورمون الانسولين يمكن أن تؤدي إلى زيادة خطر الإصابة بالاضطراب الاكتئابي الشديد (الذي يعرف اختصاراً بـ MDD)، وهو الاضطراب الذي يصيب أكثر من مليار شخص حول العالم في وقت ما خلال حياتهم.
وللاضطراب الاكتئابي الشديد أعراض متعددة، من أبرزها: الحزن المستمر، واليأس، والخمول، واضطرابات النوم، وفقدان الشهية.
ومن بين العوامل التي تسهم في نشوء ذلك الاضطراب المنهك نفسياً وبدنياً: صدمات الطفولة، وفقدان الأحباء، وانعدام الانخراط الاجتماعي.
نسلط مزيداً من الضوء في التالي على نتائج تلك الدراسة...
وفقاً لدراسات إحصائية، فإن واحداً من بين كل ثلاثة أشخاص يكون لديه درجة من مقاومة الانسولين، وغالباً دون أن يدري.
ولا تلك المقاومة عن نقص في قدرة البنكرياس على إفراز هورمون الانسولين في مجرى الدم مثلما يحدث مع مرض السكري من النوع الأول، بل بسبب انخفاض قدرة خلايا الجسم عموما على الاستجابة لهذا الهرمون.
وتتمثل مهمة الانسولين في إخبار خلايانا بأن الوقت قد حان لمعالجة سكر الغلوكوز الذي يرتفع مستواه في الدم بعد تناولنا للغذاء، أو بسبب تصنيعه في الكبد، أو كليهما.
وتستخدم كل خلية في الجسم الغلوكوز كوقود، ولكل خلية من الخلايا مستقبلات على سطحها. وعند الارتباط بالانسولين، تشير إلى ابتلاع مصدر الطاقة الثمين.
لكن نسبةً متزايدةً من سكان العالم تعاني من مشكلة مقاومة الانسولين لأسباب مختلفة - بما في ذلك الإفراط في تناول السعرات الحرارية، وعدم ممارسة الرياضة، وضغوط الحياة وعدم الحصول على قسط كافٍ من النوم.
وفي حالات مقاومة الانسولين؛ تفشل مستقبلات الانسولين في الارتباط به بشكل صحيح.
وينتج عن ذلك ارتفاع مزمن لمستويات السكر في الدم.
وعندما تظل هذه المستويات أعلى من نسبة معينة، يكون التشخيص هو مرض السكري من النوع الثاني، وهي حالة قابلة للعلاج وليس للشفاء.
ويمكن أن تؤدي مضاعفات مرض السكري من النوع الثاني إلى اضطرابات القلب والأوعية الدموية والدماغية، والاعتلال العصبي، وأمراض الكلى، وبتر الأطراف وغيرها.
وهناك بالفعل روابط بين مقاومة الانسولين والعديد من الاضطرابات النفسية.
فقد تبين أن نحو 40 في المئة من المرضى الذين يعانون من اضطرابات المزاج مقاومون للانسولين.
لكن تقييمات الدراسة السابقة استندت إلى دراسات مقطعية شملت مجموعةً صغيرةً من السكان في نقطة زمنية واحدة.
لذا؛ لجأ الباحثون إلى استخدام الدراسات الطولية التي عادةً ما تتعقب الأشخاص على مدار سنوات أو حتى عقود، ويمكن أن تحدد المرض الذي جاء أولاً.
وحصل الباحثون على بيانات من دراسة طولية مستمرة رصدت أكثر من 3 آلاف مشارك، بتفاصيل دقيقة للتعرف على أسباب الاكتئاب وعواقبه.
وحلل فريق من جامعة ستانفورد بيانات من 601 من الرجال والنساء بمتوسط أعمار بلغ 41 سنة؛ من وقت التحاقهم بالمدرسة، إذ لم يكونوا يعانون من الاكتئاب أو القلق؛ وحتى نهاية الدراسة.
وقام الباحثون بقياس 3 مؤشرات لمقاومة الانسولين، وشملت: مستويات الغلوكوز في الدم في أثناء الصيام، ومحيط الخصر، ونسبة مستويات الدهون الثلاثية المنتشرة إلى مستويات البروتين الدهني عالي الكثافة المعروف باسم الكوليسترول الجيد.
واستقصى الباحثون البيانات لمعرفة ما إذا كان الأشخاص المقاومين للانسولين لديهم خطر متزايد لمدة تسع سنوات للإصابة باضطراب اكتئابي شديد.
ومن خلال جميع المقاييس الثلاثة، جاءت الإجابة بـ«نعم».
واكتشف الباحثون أن الزيادة المعتدلة في مقاومة الانسولين ترتبط بزيادة نسبتها 89 في المئة في معدل الحالات الجديدة من الاضطراب الاكتئابي الكبير.
وبالمثل، فإن كل زيادة مقدارها خمسة سنتيمترات في دهون البطن كانت مرتبطةً بمعدل اكتئاب أعلى بنسبة أحد عشر في المئة، وكانت الزيادة في غلوكوز بلازما الصيام بمقدار ثمانية عشر ملليغراماً لكل ديسيلتر من الدم مرتبطةً بمعدل اكتئاب أعلى بنسبة سبعة وثلاثين في المئة.
وخلص الباحثون أن مقاومة الانسولين تشكل عاملاً عالي الخطورة، ليس فقط للإصابة بمرض السكري من النوع الثاني، بل للإصابة بالاكتئاب أيضاً.
وفي ضوء تلك النتائج، أوصى الباحثون بضرورة فحص ومعالجة مقاومة الانسولين لدى المرضى لحمايتهم من الإصابة بنوبات اكتئابية، منوهين بأنه من الممكن الوقاية ضد مقاومة الانسولين عن طريق النظام الغذائي الصحي، وممارسة الرياضة، إلى جانب الأدوية.