اللقاح الشامل... هل يُريح البشرية من الفيروسات الكورونية؟
منذ بداية جائحة «كوفيد- 19» الراهنة، دأب علماء وباحثون حول العالم على الطموح من خلال دراساتهم إلى أن ينجحوا يوماً ما في التوصل إلى ابتكار وتطوير لقاح شامل يتمتع بمظلة حماية واسعة النطاق ضد فيروس كورونا المستجد ومتحوراته فضلاً عن بقية أفراد عائلة الفيروسات الكورونية ذات المنشأ الحيواني، بما في ذلك فيروس «سارس» (متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد) وفيروس «ميرس» (متلازمة الشرق الأوسط التنفسية).
ويبدو أن تحقيق ذلك الحلم قد بات قريباً، حيث أعلن علماء يعكفون منذ أكثر من سنة على ابتكار مثل ذلك اللقاح الشامل أن تجاربهم المختبرية قد بدأت تفرز نتائج مبشرة.
في التقرير التالي، نسلط مزيداً من الأضواء على ما توصلت إليه الجهود البحثية المبذولة في هذا الاتجاه... على مدار سنوات، عكف باحثون - من بينهم البروفيسورة في «جامعة أكسفورد» سارة غيلبرت – على محاولة ابتكار لقاح شامل مضاد للإنفلونزا الموسمية.
لكن ذلك التركيز العلمي تحول إلى الفيروسات الكورونية التي اتضح أنها تستطيع، على غرار فيروسات الإنفلونزا، أن تتحور وتظهر بنسخ مختلفة جينياً، ومن ثم تتملص من أجزاء من الدفاعات المناعية التي ينتجها الجسم.
في هذا الإطار، أعلن فريق بحثي تابع لمعهد «ديوك» للقاحات البشرية (DHVI) في الولايات المتحدة الأميركية أنه قد نجح في التوصل إلى تركيبة لقاح مرشح أظهر نتائج أولية مشجعة بعد اختباره على حيوانات تجارب ثديية من بينها قرود وفئران.
وأظهرت نتائج أبحاث ذلك الفريق أن ذلك اللقاح المرشح أدى إلى إنتاج أجسام مضادة لا توافر حماية ضد فيروس كورونا المستجد فحسب، بل إنها تستطيع أيضاً تحييد نسخه المتحورة المثيرة للقلق، كمتحورات ألفا وبيتا ودلتا التي اُكتشفت للمرة الأولى في المملكة المتحدة، وجنوب أفريقيا، والبرازيل.
وفضلاً عن ذلك، قال العلماء إن الأجسام المضادة التي حفز اللقاح توليدها أثبتت أيضاً أنها قادرة جزئياً على تحييد الفيروسين اللذين تسببا في تفشي الالتهاب الرئوي الحاد «سارس» ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية «ميرس»، وهما فيروسان ينتميان إلى العائلة التاجية ذاتها التي ينتمي إليها فيروس كورونا المستجد.
وتعتمد تركيبة اللقاح المرشح على استخدام جُسيمات نانوية متناهية الصغر تحوي نسخاً متعددة مما يُسمى «مجال ارتباط المستقبلات» وهو ذلك الجزء الذي يرتبط بمستقبِلات معينة على خلايا الجسم، ويُعرف اختصاراً بـ «آر بي دي»(RBD) ويوجد في بروتين الشويكات البارزة من على سطح فيروس كورونا المستجد والأشكال المتحورة المنتشرة منه، وأيضاً فيروسات كورونية أخرى حيوانية المنشأ مرتبطة بالخفافيش.
ولمزيد من التوضيح، فإن «نطاق ارتباط المستقبلات» (RBD) يشكل جزءاً أساسياً من أي فيروس كوروني، إذ إنه هو الذي يسمح للفيروس بأن يلتحم بغلاف الخلايا لدى البشر، ومن ثم اختراق غشائها وغزوها.
ومن خلال استهداف «نطاق ارتباط المستقبلات» الشائع لدى جميع الفيروسات، يعمل اللقاح المرشح (عند استقباله من الجهاز المناعي الخاص بالمضيف) على تحفيز إنتاج أجسام مضادة ذات قدرة على التحييد المتقاطع. وتضم تركيبة اللقاح عنصراً كيماوياً معززاً يعمل كمادة مساعدة تقوم بدعم استجابة الجسم للقاح.
البروفيسور بارتون هاينز - مدير «معهد ديوك للقاحات البشرية»- يتولى الإشراف على هذا الجهد البحثي الواعد الذي نُشرت نتائجه الأولية في العدد الحالي من مجلة «نيتشر» العلمية المتخصصة.
وتعليقاً على النتائج، قال البروفيسور هاينز: «بدأنا عملنا البحثي هذا في الربيع الفائت واضعين في اعتبارنا أن هناك طفرات وتحورات ستطرأ على فيروس كورونا المستجد، تماماً مثلما يحدث في جميع الفيروسات».
وأضاف: «لم توافر تركيبة لقاحنا الشامل المرشح الحماية ضد فيروس كورونا المستجد فحسب، بل إن الأجسام المضادة التي حفزها اللقاح عملت على تحييد المتحورات ألفا وبيتا ودلتا المثيرة للقلق.
وكان لافتاً أن تلك الأجسام المضادة المتولدة نجحت في التصدي بنجاح لمجموعة كبيرة جداً من أنواع أسرة الفيروسات الكورونية».
وفي إطار أبحاثهم، استند البروفيسور هاينز وزملاؤه إلى دراسات سابقة اشتملت على الفيروس الكوروني المسبب لمتلازمة «سارس»، ووجدوا أن حقن حيوانات تجارب مصابة به بتركيبة اللقاح أدى إلى حث أجسام تلك الحيوانات على إنتاج أجسام مضادة قادرة على تحييد فيروسات متعددة من كورونا.
ووفقاً لنتائج الأبحاث التي أجراها البروفيسور هاينز وزملاؤه، نجح اللقاح التجريبي بنسبة مئة في المئة في الوقاية ضد الإصابة بـ «كوفيد- 19» لدى خمسة من قرود التجارب.
وعلاوة على ذلك، أفضى اللقاح الشامل المرشح إلى ظهور مستويات تحييد أعلى كثيراً لدى حيوانات التجارب تلك، وذلك مقارنةً باللقاحات المعتمدة حالياً، أو بالإصابات الكورونية الطبيعية لدى البشر.
ومن جانبه، أوضح البروفيسور كيفين سوندرز الذي يشغل منصب مدير البحوث في المعهد المذكور: «ما قمنا به ببساطة هو أننا استخدمنا نسخاً متعددة من جزء صغير من فيروس كورونا كي نحفز جهاز المناعة في الجسم على الاستجابة له بطريقة تصاعدية، واكتشفنا أن تلك الطريقة لا تؤدي فقط إلى تعزيز قدرة الجسم على منع الفيروس من التسبب بالعدوى، ولكنها أيضاً تستهدف بشكل متكرر الموضع التفاعلي الضعيف على مجال ارتباط المستقبلات.
لهذا السبب، أعطى لقاحنا المرشح فاعلية ضد فيروس كورونا الأصلي، وأيضاً ضد فيروس كورونا المستجد، إلى جانب أربعة على الأقل من المتحورات الإشاعة، فضلاً عن فيروسات كورونية أخرى حيوانية المنشأ».
ومن المتوقع أن تبدأ مرحلة تجارب اللقاح على البشر في غضون الأشهر القليلة المقبلة، وذلك بعد أن أسفرت التجارب المختبرية عن نتائج إيجابية.