البيت الخليجي والتجربة الكويتية


ليس سرا ان خلافات ثنائية وجماعية تسود البيت الخليجي، وان تباينات ظهرت حول جملة من المواضيع في كواليس قمة الكويت كادت تؤدي الى ما لا تحمد عقباه لولا جهود المسؤولين الكويتيين بتوجيهات من صاحب السمو الامير... وهي الجهود التي اثمرت انفراجات انعكست ايجابيا في البيان الختامي وقبله في «اعلان الكويت».
للبيت الخليجي رب يحميه. انما لا بد من توافر ارادة حقيقية تستلهم في الدرجة الاولى مصلحة الشعوب الموجودة في الدول الست المكونة لمجلس التعاون، وهذا يعني ان اي تقارب لا بد أن يبنى على المصالح الفعلية التي تهم الناس لا على الشعارات الوهمية التي تخدر الناس، فـ «خليجنا واحد ومصيرنا واحد» يمكن ان تترجم اغنية جميلة في لحظات لكن ترجمتها الى واقع يحتاج الى عقود من العزيمة والرؤى والعمل والانجاز والتنازلات الاقليمية لمصلحة كيان اقوى.
ومصالح الناس لها تعريف قانوني وسياسي واجتماعي واقتصادي واخلاقي، وعلمتنا التجارب القريبة والبعيدة اننا لم نعد في حاجة الى اختبارات حكومية او خضات سياسية او تحولات دولية لتحديد هذه المصالح واكتشاف مصطلحاتها، فالدول المتقدمة هي التي يتقدم انسانها على كل الصعد لا تلك التي تزج بإنسانها في اتون الصراعات المتوالية خدمة لنظام او مخطط او فكرة او ايديولوجية. من هنا يمكننا ان نبدأ جديا في تحقيق الاهداف التي عقدت على قيام مجلس التعاون الخليجي لان طبيعة الانظمة المكونة لدوله مختلفة عن طبيعة انظمة اخرى تعتبر تحديات التنمية مثلا ترفا مقارنة بالتحديات الاخرى المتعلقة بالتوسع والمواجهة والسيطرة والنفوذ والبقاء...
وما دامت التنمية ومصالح الناس هي الركيزة الاساسية للتقارب بل الجدار الوحيد القادر على حمل البناء الموحد، لا يمكن ان ننسى ان فكرة قيام مجلس التعاون انطلقت اساسا من رؤية الامير الراحل الشيخ جابر الاحمد، الذي جعل الانسان الكويتي اولوية في اهتمامات الحكم، فقد كان طيب الله ثراه صاحب مدرسة فريدة من نوعها في العالم العربي ترتكز على الاهتمام بالجيل الحالي والاجيال اللاحقة من خلال مشاريع ضخمة وصناديق ضامنة، ولا شك في ان ترؤس سمو الامير الشيخ صباح الاحمد اطال الله في عمره الدورة الحالية للقمة سيعطي العمل الخليجي الموحد زخما قويا لان سموه رافق شقيقه الراحل في كل مراحل الحكم ونهل من حكمته بل وواكب رؤيته التنموية بنهج سياسي خارجي قائم على الانفتاح مع كل الدول الشقيقة والصديقة، مؤسسا مدرسة اخرى فريدة في الديبلوماسية الهادئة انما القوية بالتعاون الرسمي والايادي البيض. ولا تخفى على احد الجهود التي يبذلها الشيخ صباح لتحويل الكويت الى مركز مالي واقتصادي في المنطقة على غرار «النمور الآسيوية».
التعاون الخليجي المشترك كان ترجمة لرؤية امير كويتي، واول مشروع عملي مشترك يأخذ طريقه الى التنفيذ، اي الربط الكهربائي بين دول المجلس، رأى النور في الكويت، ومن الآن وحتى تسليم الرئاسة الى دولة الامارات في القمة المقبلة لا بد ان تكون الكويت قد جهزت عددا من المشاريع الضخمة المشتركة الاخرى لاقرارها حتى تعود بالنفع على شعوب الخليج تماما كما هي الحال مع الربط الكهربائي.
قبل قيام الاتحاد الاوروبي، كانت السياسة البحتة المرتكزة على رؤى منفصلة عن عناصر الحكم الاخرى هي العامل المعطل للتقارب والوحدة. وتمثلت المشكلة الاكبر في رفض بعض الدول اجراء اصلاحات معينة في بنية انظمتها كي تتسق نسبيا مع الانظمة الاخرى، اضافة طبعا الى الموروث التاريخي الحافل بالحروب والكراهية... لكن صوت التقارب الاقتصادي الذي فرضته مصالح الناس كان اعلى من صوت التعنت السياسي بل ارتفع هذا الصوت الى الدرجة التي تمكن معها من اجبار الانظمة السياسية على التغيير والتكيف تحت ضغط اللحاق بالكيانات الاكبر والاسواق المشتركة. وهكذا رأينا كيف ان اسبانيا والبرتغال مثلا غيرتا في بضعة اعوام نهجا سياسيا واقتصاديا حكمهما لعشرات السنين فقط من اجل ان يرضى عنهما المولود الاوروبي الجديد الخارج من رحم المصالح.
كل الخلافات التي شهدتها كواليس قمة الكويت الاخيرة او القمم الاخرى السابقة لا تساوي، حرفيا، ما نسبته واحد بالالف من الخلافات التي كانت موجودة بين المانيا وفرنسا على مدى العقود العشرة السابقة. طبعا، الاوروبيون غير والعرب غير، ومع ذلك فإن مصلحة شعوبنا تقتضي ان نبني على المشتركات والمشاريع الاقتصادية والتنموية لان التقدم في هذا الاطار سيقلص كثيرا الخلافات السياسية ويخلق واقعا ضاغطا على السياسة كي تواكب مصالح الناس... وهذا هو الدور المحوري الذي لعبته الكويت في القمة الاخيرة، وهذا هو الدور الذي يجب ان تلعبه الكويت في القمم المقبلة، لانها اختبرت التجربتين الديموقراطية والتنموية ووظفتهما لخدمة انسانها واطلقت رؤية العمل الخليجي المشترك استنادا على احتمالات قائمة لا على احلام وردية.
مهمتكم صعبة يا شيخ صباح... لكنك لها.
جاسم بودي
للبيت الخليجي رب يحميه. انما لا بد من توافر ارادة حقيقية تستلهم في الدرجة الاولى مصلحة الشعوب الموجودة في الدول الست المكونة لمجلس التعاون، وهذا يعني ان اي تقارب لا بد أن يبنى على المصالح الفعلية التي تهم الناس لا على الشعارات الوهمية التي تخدر الناس، فـ «خليجنا واحد ومصيرنا واحد» يمكن ان تترجم اغنية جميلة في لحظات لكن ترجمتها الى واقع يحتاج الى عقود من العزيمة والرؤى والعمل والانجاز والتنازلات الاقليمية لمصلحة كيان اقوى.
ومصالح الناس لها تعريف قانوني وسياسي واجتماعي واقتصادي واخلاقي، وعلمتنا التجارب القريبة والبعيدة اننا لم نعد في حاجة الى اختبارات حكومية او خضات سياسية او تحولات دولية لتحديد هذه المصالح واكتشاف مصطلحاتها، فالدول المتقدمة هي التي يتقدم انسانها على كل الصعد لا تلك التي تزج بإنسانها في اتون الصراعات المتوالية خدمة لنظام او مخطط او فكرة او ايديولوجية. من هنا يمكننا ان نبدأ جديا في تحقيق الاهداف التي عقدت على قيام مجلس التعاون الخليجي لان طبيعة الانظمة المكونة لدوله مختلفة عن طبيعة انظمة اخرى تعتبر تحديات التنمية مثلا ترفا مقارنة بالتحديات الاخرى المتعلقة بالتوسع والمواجهة والسيطرة والنفوذ والبقاء...
وما دامت التنمية ومصالح الناس هي الركيزة الاساسية للتقارب بل الجدار الوحيد القادر على حمل البناء الموحد، لا يمكن ان ننسى ان فكرة قيام مجلس التعاون انطلقت اساسا من رؤية الامير الراحل الشيخ جابر الاحمد، الذي جعل الانسان الكويتي اولوية في اهتمامات الحكم، فقد كان طيب الله ثراه صاحب مدرسة فريدة من نوعها في العالم العربي ترتكز على الاهتمام بالجيل الحالي والاجيال اللاحقة من خلال مشاريع ضخمة وصناديق ضامنة، ولا شك في ان ترؤس سمو الامير الشيخ صباح الاحمد اطال الله في عمره الدورة الحالية للقمة سيعطي العمل الخليجي الموحد زخما قويا لان سموه رافق شقيقه الراحل في كل مراحل الحكم ونهل من حكمته بل وواكب رؤيته التنموية بنهج سياسي خارجي قائم على الانفتاح مع كل الدول الشقيقة والصديقة، مؤسسا مدرسة اخرى فريدة في الديبلوماسية الهادئة انما القوية بالتعاون الرسمي والايادي البيض. ولا تخفى على احد الجهود التي يبذلها الشيخ صباح لتحويل الكويت الى مركز مالي واقتصادي في المنطقة على غرار «النمور الآسيوية».
التعاون الخليجي المشترك كان ترجمة لرؤية امير كويتي، واول مشروع عملي مشترك يأخذ طريقه الى التنفيذ، اي الربط الكهربائي بين دول المجلس، رأى النور في الكويت، ومن الآن وحتى تسليم الرئاسة الى دولة الامارات في القمة المقبلة لا بد ان تكون الكويت قد جهزت عددا من المشاريع الضخمة المشتركة الاخرى لاقرارها حتى تعود بالنفع على شعوب الخليج تماما كما هي الحال مع الربط الكهربائي.
قبل قيام الاتحاد الاوروبي، كانت السياسة البحتة المرتكزة على رؤى منفصلة عن عناصر الحكم الاخرى هي العامل المعطل للتقارب والوحدة. وتمثلت المشكلة الاكبر في رفض بعض الدول اجراء اصلاحات معينة في بنية انظمتها كي تتسق نسبيا مع الانظمة الاخرى، اضافة طبعا الى الموروث التاريخي الحافل بالحروب والكراهية... لكن صوت التقارب الاقتصادي الذي فرضته مصالح الناس كان اعلى من صوت التعنت السياسي بل ارتفع هذا الصوت الى الدرجة التي تمكن معها من اجبار الانظمة السياسية على التغيير والتكيف تحت ضغط اللحاق بالكيانات الاكبر والاسواق المشتركة. وهكذا رأينا كيف ان اسبانيا والبرتغال مثلا غيرتا في بضعة اعوام نهجا سياسيا واقتصاديا حكمهما لعشرات السنين فقط من اجل ان يرضى عنهما المولود الاوروبي الجديد الخارج من رحم المصالح.
كل الخلافات التي شهدتها كواليس قمة الكويت الاخيرة او القمم الاخرى السابقة لا تساوي، حرفيا، ما نسبته واحد بالالف من الخلافات التي كانت موجودة بين المانيا وفرنسا على مدى العقود العشرة السابقة. طبعا، الاوروبيون غير والعرب غير، ومع ذلك فإن مصلحة شعوبنا تقتضي ان نبني على المشتركات والمشاريع الاقتصادية والتنموية لان التقدم في هذا الاطار سيقلص كثيرا الخلافات السياسية ويخلق واقعا ضاغطا على السياسة كي تواكب مصالح الناس... وهذا هو الدور المحوري الذي لعبته الكويت في القمة الاخيرة، وهذا هو الدور الذي يجب ان تلعبه الكويت في القمم المقبلة، لانها اختبرت التجربتين الديموقراطية والتنموية ووظفتهما لخدمة انسانها واطلقت رؤية العمل الخليجي المشترك استنادا على احتمالات قائمة لا على احلام وردية.
مهمتكم صعبة يا شيخ صباح... لكنك لها.
جاسم بودي