تسود في معظم مجتمعاتنا العربية إشكالية الولاء... فهل يكون ولاء المواطن لوطنه أم للحكومة؟
سؤال بسيط جداً لكن الإجابة عنه ستكلفك الكثير!
الولاء بلا شك هو للوطن والدولة والأرض والأمة، وتقديم كل ما ينفعها ويصلح شأنها والدفاع عنها إذا احتاج الأمر ذلك.
قدم النواب مسلم البراك وجمعان الحربش وفيصل المسلم والطاحوس والوعلان والنملان ورفاقهم، أمثلة لحب الوطن والولاء له وأقسموا على حفظ ممتلكاته وأمواله بالأمانة والصدق ولم يظهر عليهم خيانة ذلك.
فالحديث عن التشكيك بولائهم للكويت غير دقيق ويفتقد إلى التثبت واليقين.
وقدم جمع من البدون التضحيات في لواء اليرموك والجهرة والصامتة بشهادة الكثيرين، ودفعوا دماءهم في سبيل الدفاع عن الوطن وشرعيته وراح منهم شهداء يذكرهم التاريخ بشرف.
إذاً الولاء للوطن وليس للأشخاص لأن الأشخاص مصيرهم الزوال والاستبدال.
والوطن مظلة الجميع يعمل تحت سقفه كل مواطن وقبيلة وحزب وعائلة وطائفة، يجمعهم حبه والولاء له.
يسود القانون بعدله ومساواته وكفالته للحريات والكرامات ويوفر لهم كل احتياجاتهم ومستلزماتهم.
لا فرق أمام قوانينه ونظمه بين أفراده ولا تمييز لمكوناتهم وانتماءاتهم... فهم أمام الوطن وقوانينه سواء...
أما الحكومة وبرنامجها وإجراءاتها فهي خاضعة للصواب والخطأ...
فبقدر نجاحها يكون الولاء لها والتأييد والتقويم...
فانتقاد الحكومة بسبب إهمالها مثلاً في محاسبة اللصوص أو تأخر برامج التنمية أو تراجع النظام الصحي والتعليمي أو تردي مستوى الخدمات؛ كل هذا دليل على الولاء الصادق وليس خيانة أو هدم بناء الدولة.
الإشكالية المؤلمة في عالمنا العربي أن مفهوم الولاء يفهم بمنطق معكوس...!
فالبعض جعل الحكومة محل الوطن؛ بل جعل الحكومة هي ذات الوطن!
عندئذ وبهذا المفهوم: يكون من خالف نهج الحكومة وانتقد أداءها هو خائن للوطن مارق تجب محاسبته ومحاكمته...
وهذا غير صحيح... وإلا لكان مصير الملايين من البشر خارج إطار المواطنة والانتماء والولاء للوطن...
في الدول الديموقراطية تتشكل الحكومات من الأحزاب وتقوم بأعمالها وفق برنامج زمني وآليات عمل واضحة المعالم.
ويقوم الناس بمراقبتها وتقييم أدائها من خلال نقدها وتصويبها...
وهي بذلك تمارس صلاحيات المراقبة وفق آليات كثيرة إعلامية متحركة مكفولة دستورياً.
ولا يعتبر ذلك خرقاً للمواطنة وطعناً بولائها وامتثالها لكيانها.
فالثقافة السائدة في تلك المجتمعات أن الولاء المطلق هو للوطن والدولة ولا علاقة للحكومة بآراء الناس وتقييمهم.
والقلق الذي يعانيه كثير من الحكومات هو من هذا النقد واللوم على أدائها وبرنامجها والذي يفضي إلى التخلص من كل من يحاول أن يعطل مسيرتها وبرنامجها...
وسيظهر الخطأ والخطر الحقيقي في أن يقوم بعض الحكومات بخلط الأوراق بجعل ذلك كله ناتجاً من ضعف الولاء أو انعدامه.
ثم تخرج الاتهامات المعلبة من قبل المنتفعين ولصوص الرأي لكل من يخالف الحكومة بأنه مارق وخائن... فتصادر الحريات وتقيد أمنياً.
وتدور الآلة الإعلامية الفاجرة عندئذ بتخوين المواطن الشريف وتزييف انتمائه وتقييد حريته وتعطيل إرادة كل صوت مخلص من التقويم والتصويب.
إذاً الولاء للوطن شيء والولاء لأداء الحكومة شيءٍ آخر.
فلا بد من وضع المفاهيم في سياقها الصحيح ثم الاحتكام لقوانين الدولة ودستورها والحفاظ على مكونات المجتمع من الضياع قبل فوات الآوان.
اللهم احفظ الكويت قيادة وشعباً من كل مكروه...