تعددت الأسباب والنفوق واحد... وأصابع اتهام تتّجه إلى «زئبق شط العرب»

البحر... يلفظ أسماكه

تصغير
تكبير

وجع متكرر يظهر للعيان، كلما لفظ بحر الكويت أسماكه معلناً أنه بات يئن من تلوث البيئة البحرية.

وبينما كانت أنواع محددة من السمك، مثل الميد، هي التي تظهر مع كل نفوق، دخلت على الخط أنواع أخرى، مثل الزبيدي، بما يفتح باب التساؤلات حول الأسباب وراء هذا النفوق.

وفيما حددت الهيئة العامة للبيئة في بياناتها الرسمية عدة مصادر تؤثر على البيئة البحرية وتتسبب في نفوق الأسماك، مثل استغلال مخارج الأمطار في الصرف الصحي، والصيد الجائر، ورمي الشباك من قبل الصيادين، وظاهرة المد الأحمر وقلة دوران المياه في جون الكويت، وتردي جودة المياه بسبب النشاطات البشرية الخاطئة، وارتفاع درجات الحرارة في الوقت الحالي، وقلة منسوب المياه القادمة من شط العرب، تداول ناشطون بيئيون مقطعاً مصوراً يحذر من ترسب كميات كبيرة من الزئبق (قرابة 20 طناً) في شط العرب بالقرب من السواحل الكويتية.

وشدد الناشطون على أن التقارير العلمية القادمة من الجامعات العراقية، تشير إلى أن شط العرب يواجه حالة خطيرة من التلوث الزئبقي وغيره، بعد أن أصبحت مياه المجاري تصب مباشرة في نهري دجلة والفرات، بالإضافة إلى النفايات الصناعية والمواد البترولية ومخلفات الأسلحة المتبقية من الحروب، وكل ذلك ينتقل إلى الخليج العربي. وأشاروا إلى أن النشاط الصناعي المختلف في الكويت قد يكون أحد أسباب تلوث الهواء بالزئبق، ولكن لا تصل إلى إنتاج الكمية المذكورة (20 طناً) من مادة الزئبق إلا في المصانع المتخصصة في تكرير الزئبق أو التعامل المباشر مع المادة كعامل حفاز مثلاً، والتي ليست متوافرة في الكويت، حيث إن الدولة وقعت اتفاقية (ميناماتا) في شأن الزئبق بتاريخ 11 أكتوبر 2013.

وأوضحوا أن دراسات علمية قدمت مصادر محتملة للملوثات، مثل المغذيات والمواد العضوية والملوثات (مثل الهيدروكربونات والعناصر النزرة ومبيدات الآفات الزراعية)، لافتين في الوقت إلى أن من الضروري إنشاء نظام مراقبة قياسي لتصريف النهر وجودة المياه التي تصب في مياه الخليج، من أجل تقييم الوضع الحالي بالإضافة إلى التأثيرات المستقبلية المتوقعة.

«مطلوب خطط علمية بين الكويت وبغداد للحد من انتقال ملوثات نهري دجلة والفرات إلى الجون»

محمد الصائغ: تقارير الجامعات العراقية تشير إلى حالة خطيرة من التلوث الزئبقي في شط العرب

قال الخبير والمستشار البيئي والاستاذ في كلية التربية الأساسية بالهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب الدكتور محمد الصائغ، إن «التقارير العلمية والدولية، بما فيها تقارير الأمم المتحدة وتقارير الجهات غير الربحية، كالمنتدى العربي للبيئة والتنمية والشبكة الدولية للحد من الملوثات العضوية الثابتة، تؤكد كلها خطورة استمرار تراكم الزئبق بالبيئة البحرية، لما له من ارتباط مباشر ووثيق بالأمراض السرطانية التي بدأت بإصابة البشر بشكل غير مسبوق خلال السنوات الأخيرة».

وأضاف الصانع لـ «الراي» أن «الزئبق يعد من أكبر الملوثات في العالم وأخطرها، فعندما ینطلق الزئبق في البیئة فإنه یتبخر، وینتقل جوياً الى المناطق المحيطة بشكل مباشر له، حيث يترسب إما بالتربة أو بالماء، ويعتبر الزئبق المترسب بالماء خطراً جداً، حيث يتحول إلى (ميثيل الزئبق) الذي يعتبر من أشد مركبات الزئبق سمية، ويختلط بالشعاب المرجانية والعوالق البحرية مصدر غذاء الأسماك، حيث ينتقل للأسماك ومنها للإنسان عن طريق الأكل».

وشدد على أن «التقارير العلمية القادمة من الجامعات العراقية، تنص على أن شط العرب يواجه حالة خطيرة من التلوث الزئبقي وغيره بعد أن أصبحت مياه المجاري تصب مباشرة في نهري دجلة والفرات، بالإضافة إلى النفايات الصناعية والمواد البترولية ومخلفات الأسلحة المتبقية من الحروب».

وتابع «عدم رفع الأوحال المستقرة في قاع النهرين سيحولهما الى مصنع للسموم. وتأكسد بقايا الأسلحة وتفاعلها مع النفايات الصناعية والطبية، تولد بلا شك سموماً قد تبقى نشطة لعقود طويلة، وتنتقل خلال الشبكة الغذائية الى أن تنفذ إلى أجسام الناس، مسببة حالات سرطانية خاصة بين الناس المعتمدين على الموارد الغذائية البحرية تحديدا».

ولفت إلى أن «خطر الترسب الزئبقي هو خطر عالمي تعاني منه العديد من دول العالم، وبالتالي فإن جهود القضاء على الترسبات الزئبقية والملوثات البحرية يجب أن تكون على مستوى الدول، كون الأخطار تعتبر عابرة للحدود.

ويجب وضع خطط علمية بين حكومتي الكويت والعراق للحد من استمرار انتقال الملوثات من نهري دجلة والفرات إلى جون الكويت عبر مصب شط العرب للحفاظ على صحة شعوب البلدين».

«20 طناً... كم هائل من الزئبق يصعب رميها مباشرة في البحر»

مساعد سلمان: «البيئة» تأخذ دورياً... عيّنات من 10 مواقع في المياه

دعا الناشط البيئي مساعد سلمان إلى «التأكد من الادعاء الذي تم نشره (عبر مقطع الفيديو) من خلال عمل دراسة تحليلية اختصاصية لمدى تلوث مياه البحر في منطقة (شط العرب) من خلال طرق علمية معينة، مبنية على عدة عوامل وليس استنتاجا شخصيا بمختبر متواضع القدرات».

وقال سلمان لـ «الراي» إن «الزئبق عنصر موجود في الكون بشكل طبيعي، وقد يتحرر وينطلق إلى البيئة مسبباً تلوثاً نتيجة للتفاعلات الكونية الطبيعية، مثل الأنشطة البركانية أو من خلال تصرفات الإنسان الخاطئة والمضرة بالبيئة المقصودة وغير المقصودة، مثل حرق الفحم ومحارق النفايات واستخراج الغاز الطبيعي».

وحول ما أثير في الفيديو المتداول عن ترسب 20 طناً من الزئبق في المياه الإقليمية العراقية قبالة سواحل الكويت، قال «من الصعب علمياً الادعاء وتأكيد أنه تم سكب 20 طنا، فهذا يعتبر كماً هائلاً من مادة الزئبق مباشرة في المياه البحرية، إلا في حال تواجد الشخص في وقت الحادثة وأخذ وزن العينة مباشرة قبل دخولها إلى الماء، أو تصوير الحادثة بشكل مباشر وواضح»، مشيراً في الوقت ذاته إلى أنه «مما لا يمكن إنكاره أن النشاط الصناعي المختلف في دولة الكويت قد يكون أحد أسباب تلوث الهواء بالزئبق، ولكن يستحيل إنتاج الكمية المذكورة (20 طنا) من مادة الزئبق، إلا في المصانع المتخصصة في تكرير الزئبق أو التعامل المباشر مع المادة كعامل حفاز مثلا والتي ليست متوافرة في الكويت، حيث إن الدولة قامت بتوقيع اتفاقية (ميناماتا) في شأن الزئبق 2013».

وبيّن أن «جميع النشاطات الصناعية في دولة الكويت تخضع لرقابة بيئية من قبل الجهات المختصة في الدولة والتي تسعى للحد من انبعاث الملوثات وجعلها ضمن الحدود المسموحة بها عالميا.

إضافة إلى ذلك، تقوم الكويت ممثلة بالجهات ذات الصلة مثل الهيئة العامة للبيئة بالاهتمام المباشر بجميع عناصر البيئة من خلال إقامة دراسات وبحوث وأخذ عينات من مياه البحر بصفة دورية من 10 مواقع موزعة في أنحاء الكويت للتأكد من مطابقة جودة المياه البحرية لجميع المواصفات العالمية التي تستلزم للتحقق من صلاحية الماء للأغراض المعيشية أو الزراعية والصناعية والترفيهية وتشمل المياه العذبة والقليلة الملوحة ومياه الصرف الصحي المعالجة ومياه البحر وموافاة المنظمات العالمية بأي مستجد بهذا الخصوص بشكل شفاف وواضح جدا».

وشدد على أن «الخليج العربي يشكل مصدراً رئيساً من مصادر المياه للدولة، فلا يمكن أن يتم سكب 20 طناً من الزئبق في أهم مصدر مياه، لأن ذلك يعد خرقاً لجميع المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي قامت بالتوقيع عليها».

«مطلوب تأمين استدامة المياه لصالح الأجيال القادمة»

المزيني: من الضروري وجود تعاون علمي محلياً وخارجياً... لمحاربة التلوث المائي

أكد رئيس مجلس إدارة جمعية المياه الكويتية الدكتور صالح المزيني، أن «إفساد جودة المياه بسبب التلوث، يتطلب فريقاً متعدد التخصص لمعالجته»، لافتاً إلى أن «غياب وسائل التقنية الحديثة الملائمة أدت إلى صعوبة تدوير ومعالجة المواد الملوثة، ولهذا أصبح من الضروري وجود تعاون علمي على المستوىات المحلية والخليجية والعربية والدولية لمحاربه التلوث المائي».

وقال المزيني لـ«الراي» إن «قضية الأمن المائي في الكويت ودول الخليج العربي رؤية بعيدة المدى للقرن الحالي الذي يحوي في جنباته تحديات خطيرة ستواجهها دول مجلس التعاون الخليجي، من بينها تلوث مصادر المياه».

وبيّن أن «قضية تلوث مياه البحر تهم كل مواطن لأنها مرتبطة بحياته، ومن الضروري وجود وسائل تساعد على حفظ جودة المياه واستدامتها» لافتاً إلى أن «تلوث مياه البيئة البحرية في الكويت لها أسبابها وستكون مستقبلا نتائجها مؤذية للثروات البيولوجية والبحرية، فضلاً عن أخطارها الصحية وإفساد جودة المياه».

وتابع «مشكلة طرح آلاف الأطنان من النفايات الكيميائية وغيرها، يوميا في المنطقة الشمالية للبيئة البحرية للكويت يهدد مصادر مياه الشرب ويقلل من جودتها»، محذراً من خطورة «تصريف الملوثات في مياه البحر». وشدد على أن «الأمر يتطلب وضع استراتيجيات وخطط لكيفية المحافظة على جودة مصادر المياه واستدامتها من التلوث، ما يتطلب التصدي لكل التحديات المتوقعة من التلوث التي تؤثر سلبيا في مستقبل الأمن المائي المستدام ودعم كل الجهود الحكومية الرامية لتحقيق الأمن المائي».

واختتم بالقول «لا شك أن استدامة المياه لصالح الأجيال المقبلة مطلب الجميع، وينبغي على دول مجلس التعاون الخليجي العمل عليه».

«المياه الغنية بالمغذيات المصرّفة تؤثر على البيئة البحرية»

جنان بهزاد: إنشاء نظام مراقبة لقياس جودة مياه شط العرب الواصلة إلى البحر

أكدت أمين عام الجمعية الكويتية لحماية البيئة جنان بهزاد أن «المياه الغنية بالمغذيات التي يتم تصريفها من شط العرب، تؤثر بلا شك على البيئة البحرية في الكويت»، مشيرة إلى أنه في الوقت ذاته «نظرا لعدم وجود بيانات حديثة موثوقة، من المهم عدم التطرق إلى ما يثير الخوف والشك في صحة وسلامة البيئة، من دون الايعاز إلى دراسة معتمدة من أجل تقييم الوضع الحالي، بالاضافة الى التأثيرات المستقبلية المتوقعة على البيئات المائية سواء النهرية في العراق أو البحرية في شمال الخليج العربي».

وقالت بهزاد «عندما يلتقي نهرا دجلة والفرات في جنوب العراق، يأخذان اسمًا جديدًا، وهو المصدر الرئيسي للمياه العذبة في شمال الخليج هو نهر شط العرب، وهو مصب ماء بطول 200 كيلومتر، ويمر في محافظة البصرة والكثير من المدن والقرى العراقية، قبل أن يصل للمياه في الخليج العربي، وينقل المياه ويروي الأراضي، ويستقبل النهر أيضا امدادات المياه الملوثة مجهولة المصادر، وغالبا ما نستطيع التأكيد به هي مياه الصرف الصحي.

ومع ندرة المياه نتيجة لقطع تغذية نهر الفرات كمغذ لشط العرب يبقى نهر دجلة هو مصدر التغذية بالمياه العذبة حسب الدراسات الحديثة».

وفيما شددت على أن «جودة المياه في شط العرب تعكس التأثيرات المجتمعة للطبيعية والعوامل البشرية»، لفتت إلى أن «شط العرب عانى من الإهمال واستقبل لسنوات الصرف الصحي ومخلفات الحروب التي مرت على أرض العراق، وبتوجيه من المجتمع المدني، وفي ظل وجود اهتمام من الناشطين البيئين بتوثيق الحوادث البيئية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، تظهر المخاوف على شكل فيديوهات تنشر الرعب من دون أي سند علمي».

وأشارت إلى أن «بعض الدراسات العلمية قدمت مصادر محتملة للملوثات مثل المغذيات والمواد العضوية والملوثات (مثل الهيدروكربونات والعناصر النزرة ومبيدات الافات الزراعية)»، لافتة في الوقت ذاته إلى أنه «من الضروري إنشاء نظام مراقبة قياسي لتصريف النهر وجودة المياه التي تصب في مياه الخليج من أجل تقييم الوضع الحالي بالإضافة إلى التأثيرات المستقبلية المتوقعة».

هكذا تتلوث البيئة البحرية بالزئبق

ذكر الناشط البيئي مساعد سلمان أن «البيئة البحرية تتلوث بالزئبق، عندما ينطلق عنصر الزئبق في البيئة مما ينتج عنه تبخره بسبب ضغطه البخاري المرتفع بطبيعته واستقراره في الغلاف الجوي، ومن ثم ينتقل عبر التيارات الهوائية إلى مسافات تتجاوز 1000 كيلو متر، وينتهي به المطاف مستقرا على سطح المسطح المائي، وهنا تبدأ عملية ترسب الزئبق في المسطحات المائية من خلال اتحاده مع الرواسب، حيث تقوم كائنات بكتيرية دقيقة موجودة في الماء بشكل طبيعي بتحويله إلى مركب سُمي يسمى ميثيل الزئبق، ويحدث ذلك عندما تنخفض مستويات الأوكسجين الذائب في المسطح المائي».

وقال سلمان إن «ميثيل الزئبق مركب عضوي فلزي عالي السمية ينتشر في البيئة ملوثا إياها، من خلال دخوله في السلسلة الغذائية للكائنات البحرية، فهو سهل وسريع الامتصاص من قبل الأمعاء والمعدة.

ويتم امتصاص ميثيل الزئبق من قبل الكائنات الدقيقة التي تتغذى عليها الأسماك الصغيرة وتقوم بالانتقال حسب السلسلة الغذائية إلى الإنسان مسببة مشاكل صحية خطيرة».

تأثيرات الزئبق على جسم الإنسان

بيّن مساعد أن «التعرض للزئبق بمستويات معينة، يسبب العديد من المشاكل الصحية التي تستهدف الجهاز العصبي المركزي والمحيطي.

كما يسبب عوارض صحية خطيرة مثل فشل الجهاز المناعي، تلف الرئتين والكليتين، أمراض القلب، ارتفاع ضغط الدم، السرطان وفي بعض الحالات قد يهدد الحياة».

وذكر أن «الزئبق يتواجد في الطبيعة بعدة بأشكال مختلفة، منها زئبق أولي (فلزي) وزئبق غير عضوي. والزئبق عنصر لا يمكن تصنيعه أو تدميره، حيث يتواجد في التربة غير الملوثة بمتوسط تركيز 100 جزء في البليون.

وتشير الدراسات إلى أن ثلث الزئبق المنطلق في البيئة، هو ناتج عمليات طبيعية، بينما ثلثا الكمية هما ناتج عمليات صناعية وبشرية».

الجون والانفجار الطحلبي

قال الخبير والمستشار البيئي والاستاذ في كلية التربية الأساسية بالهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب الدكتور محمد الصائغ، إن «جون الكويت يعاني بسبب مصب شط العرب من زيادة في تراكيز المغذيات الملوثة لأسماكنا المحلية، مما يؤدي إلى تسريع نمو الطحالب والنباتات البحرية، ويرتبط هذا بطرح الملوثات في نهري دجلة والفرات و منها لشط العرب حيث تترسب بالمصب عند مدخل جزيرتي وربة و بوبيان.

والدليل على ذلك هو الانفجار الطحلبي في مياه الخليج العربي خلال الفترة بين أغسطس 2008 ومايو 2009 الذي تسبب حينها في ظاهرة نفوق الأسماك الشهيرة».

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي