الجاهل فقط يسخر من الشخص الوحيد. فالذي لوحده أو «بصحبة نفسه» في علم النفس الاجتماعي، هو ليس فقط شخصاً قوياً متماسكاً متصالحاً مع نفسه والعالم من حوله، بل «عرف نفسه» بلغة سقراط، واعتاد على صحبة ذاته لدرجة أن عالمه لا يتوقف عليك أو على غيرك.
لذا حين ترى شخصاً لوحده في قاعة سينما أو كافيه او على شاطئ البحر، يتأمل أو معه كتاب أو دفتر وقلم... تخيل أنه ربما أفضل منك خلقاً وفكراً وعلماً.
وإنه يختار أن يكون لوحده لأسبابه الخاصة التي لا تعنيك. حياته لا تنتظرك أنت أو غيرك... مصير حياته بيده هو فقط.
حين تفعل ما تشاء في الوقت الذي تختاره، تجلس وحدك في المطعم مع جريدة أو كتاب عزيز، وتشعر أن العالم يغرق في كوب قهوتك، حين تبتسم للحظة لأنك لمحت جزءاً منك في المرآة.
حين تخرج معطف الشتاء فتعثر في الجيب على تذكرة سينما مجعدة، كنت تعتصرها وأنت في قاعة السينما تفكر: كيف عرف المؤلف كل ذلك عني!
من أراد تأمل الحياة. ليقرأ جان جينيه.
من أراد أن يثور ليقرأ المنيفي.
من أراد أن يذوب رعشة ليقرأ درويش.
من أراد روح العشق ليقرأ نزار قباني.
من أراد تذوق وحشة الغربة ليقرأ مي زيادة.
من أراد الشك والسؤال ليقرأ ديكارت.
من أراد التوجس ليقرأ كيركغارد.
من أراد أن يرى الرائي ليقرأ المعري.
من أراد أن يشف ليقرأ النفري.
من أراد أن يرى داخل الشجر، وما وراء الجدار ليقرأ الرومي.
من أراد الغرابة والحيرة ليقرأ كولن ولسن.
من أراد الانتقام ليقرأ الماغوط.
من أراد البكاء صراخاً ليقرأ دوستويفسكي.
من أراد العبث بالوجود ليقرأ سارتر.
من أراد تجسد عذابات الإنسان ليقرأ ماركيز.
من أراد تعلم العزف ليقرأ بول الوار.
من أراد البكاء ليقرأ كافكا.
من أراد النظر في عيني الثورة ليقرأ سيمون دي بوفوار.
من أراد السحر والدهشة ليقرأ نيرودا.