«الراي» جالت على تخومها على وقع حديث عن انسحاب إسرائيلي وشيك منها

الغجر ... بلدة «الحدود الملتبسة وتقاطع الجيوش» تطالب بحق تقرير مصيرها

u0642u0631u064au0629 u0627u0644u063au062cu0631t (u062eu0627u0635 - u00abu0627u0644u0631u0627u064au00bb)r
قرية الغجر (خاص - «الراي»)
تصغير
تكبير
| جنوب لبنان - من محمد بركات |

الغجر. اسم لبلدة غامضة على حدود غامضة جداً، على سفوح جبل الشيخ ومرتفعات الجولان. هذه البلدة التي تخضع اليوم للاحتلال الاسرائيلي تقريبا برضى أهلها، تتهيأ اسرائيل للانسحاب من شطرها الشمالي.

سكانها العلويّون سوريو الأصل، يحملون هويات اسرائيلية، يسكنون على أرض لبنانية وتشرف عليهم القوة الدولية. فعلى مثلث لبناني - سوري - اسرائيلي ودولي رمت الأقدار سكان هذه القرية.

يعيش السكان على ارتفاع 310 أمتار عن سطح البحر، بين قريتي العباسية الشيعية والوزاني السنية. خلفهم الى الجنوب يهود اسرائيل، والى الشمال سنّة سورية.

خلطة هويات وطوائف جعلتهم ضائعين بين أربعة خيارات: أن يحصلوا على الجنسية اللبنانية ما داموا يعيشون على الأرض اللبنانية، أن يستعيدوا الجنسية السورية التي كان أجدادهم يحملونها، أن يحتفظوا بتسهيل المرور الاسرائيلي القابل للتحول جنسية، او أن يظلوا في حماية القوة الدولية.

ويبقى سؤال: هل سيكون للغجريين حق تقرير المصير أم سيلتزمون ما سيفرض عليهم في الأروقة الدولية؟

وحسب دراسة أعدّها صالح المشنوق، اعطي سكان الغجر العام 1932 حق اختيار هويتهم الوطنية، فاختار معظمهم الجنسية السورية نظراً الى ارتباطهم التاريخي بمحافظة القنيطرة في سورية.

وخلال الحرب العربية الاسرائيلية في العام 1967 كانت القوات الاسرائيلية تتقدم بسرعة داخل الجولان السوري، لكنّ هذا التقدم توقف جنوب قرية الغجر، لأن الخرائط البريطانية التي في حوزة الاسرائيليين اكدت ان القرية موجودة داخل الاراضي اللبنانية.

وبذلك، ضمّت قرية «المثلث» التي تقع عند نقطة مشتركة بين لبنان وسورية وفلسطين. وبعد سنوات، بدأ أهالي القرية التي صار اسمها الغجر، يبنون منازل جديدة على التخوم اللبنانية لبلدتهم، أو ما بات يعرف اليوم بـ «الشطر الشمالي»، وذلك بتشجيع اسرائيلي.

وكان وفد من قرية الغجر توجه الى مرجعيون في الجنوب اللبناني وطلب من السلطات اللبنانية الاعتراف الرسمي بلبنانية القرية. لكن السلطات اللبنانية رفضت بحجة انها ليست مستعدة للتسبب بخلاف حدودي مع جارتها الكبرى سورية. حتى انها هددت بسجن اي شخص «يجتاز حدود نهر الحاصباني الى داخل الاراضي اللبنانية»، على قول وجهاء الغجر.

الأرض التي بنى عليها الغجريون المنازل الجديدة تعود ملكيتها الى وقف طائفة الروم الأرثوذكس، علما انها تعادل ضعفي حجم قريتهم الأصلية. وبذلك، بات ثلثا القرية داخل الاراضي اللبنانية وثلثها، الأصلي، داخل الأراضي السورية، ودائماً تحت الاحتلال الاسرائيلي.

في العام 1981 صوت البرلمان الاسرائيلي على ضم هضبة الجولان الى السيادة الاسرائيلية وعرضت الدولة العبرية على اهالي الغجر الجنسية الاسرائيلية، فقبلوا بها لأسباب يقولون انها «اجتماعية واقتصادية». فمعظم اهالي الغجر يعملون اليوم داخل الاراضي الاسرائيلية، ويدرس ابناؤهم في المدارس الاسرائيلية مجانا. حتى ان البالغين بينهم يصوتون في الانتخابات الاسرائيلية. ومنذ ذلك الحين تطورت اوضاع سكان الغجر ونعموا بالخدمات الرئيسية من كهرباء وماء وطرق بفضل السلطات الاسرائيلية، ولم يحصلوا في المقابل على حضن لبناني أو سوري دافئ.

استمرّ البناء غير الشرعي في الأراضي اللبنانية. وبعد الانسحاب الاسرائيلي من لبنان العام 2000 قسّم «الخط الأزرق» القرية ثلثين لبنانيين يخضعان للقرار 425 وثلثاً سورياً يخضع للقرار 242 علماً ان الجيش اللبناني و«حزب الله» لم يدخلا القسم الشمالي من البلدة. لكن الاهالي رفضوا تقسيم بلدتهم وعبروا عن ذلك بالتظاهر والاعتصام كما فعلوا اخيراً.

محمد الزهر عمره 77 عاماً، ولد وعاش طوال حياته في قرية الوزاني المحاذية لقرية الغجر، ويعلم أنّ القرية لم تتحرر في العام 2000 : «لم تتحرر. من حررها؟ كنا اول من سيدخلها لكنها لم تتحرر».

ويعود الى الحقبة الماضية «قبل 1967 كنا جيراناً وأصحاباً، ولكن بعد الحرب ما عدنا نراهم ولا يروننا ولا نعرف عنهم شيئا منذ ذلك الحين، لا نعرف من مات ومن بقي حياً».

ووفق الزهر فانّ أهالي الغجر، قبل حرب 1967 كانوا مرتبطين اقتصاديا ًبلبنان «لأنّ أقرب قرية سورية تبعد عن الغجر أكثر من 50 كيلومتراً. كانوا يشترون كلّ شيء من القرى اللبنانية». من هنا، فانهم لبنانيو الهوى، وان كانوا سوريي الجنسية، وكانوا مرتبطين بلبنان أكثر من ارتباطهم بسورية، تماما كما هم اليوم مرتبطون باسرائيل أكثر من ارتباطهم بسورية وبلبنان.

بعد حرب يوليو 2006 استعادت اسرائيل السيطرة المباشرة على القرية، لأنّ «حزب الله» كان قد تغلغل في بعض نسيجها الاجتماعي وجنّد اناساً لتزويده معلومات عن تحركات الاسرائيليين داخلها، أو عن مشاهداتهم في رواحهم الى المدن الاسرائيلية ومجيئهم منها.

في تلك الفترة، اعتقلت اسرائيل أكثر من خمسة أشخاص ثبت امرارهم معلومات للحزب. كما أنّ كثيرين من الأهالي يقبعون في سجون اسرائيلية لثبوت تورّطهم في تجارة المخدرات من لبنان واليه.

اليوم، لا تزال قوة اليونيفيل تشرف على الفصل بين البلدة والبلدات اللبنانية جاراتها، خصوصا قرية العباسية المحاذية لها.

«الراي» حاولت دخول العباسية من جهة القوة الاسبانية أو على الاقل تصويرها، لكنّ الجنود الدوليين منعونا.

امضينا أكثر من نصف ساعة أمام حاجز القوة الاسبانية الذي يفصل لبنان عن الغجر، القرية التي يدخلها الاسرائيليون كلّ يوم. وأثناء وقوفنا أمام الحاجز، تناهى الى مسامعنا صوت من مئذنة مسجد القرية، يدعو الأهالي الى الاعتصام والتظاهر في اليوم التالي احتجاجا على قرار اسرائيل الانسحاب من القرية.

سكان القرى المجاورة لا يعرفون عن الانسحاب الاسرائيلي المزعوم أكثر مما يسمعونه في وسائل الاعلام. لا تحرّكات على الأرض توحي بالانسحاب، الذي قد يكون مفاجئاً. لكنّهم يسمعون بين حين وآخر مكبرات مئذنة الغجر تدعو الى الاعتصام أو التظاهر رفضا لتقسيم القرية.

أحمد المحمد، نائب رئيس بلدية الوزاني، يقول انّه سمع من وسائل الاعلام الكلام على الانسحاب «لكننا حتى الآن لم نر شيئاً على الأرض». ويؤكد أنّ «الانسحاب الاسرائيلي العام 2000 لم يحل دون بقاء القرية محرّمة على المدنيين. أما بعد 2006 فما عاد جنود اليونيفيل يدخلونها، بل يقفون على حدودها من الجهة اللبنانية».

ويقول سكان الوزاني واخرون انّ القرية تسحب من المياه ما تسحبه أكثر من 135 قرية لبنانية، لأقلّ من ثلاثة آلاف نسمة، ما يعني أنّ اسرائيل تسرق مياه الوزّاني بعد وصولها الى الغجر من دون اعلان صريح.

مصادر قيادية في «حزب الله» رفضت التعليق على الموضوع، وعلى كيفية تصرف الحزب في حال انسحبت اسرائيل.

من جهته، قال مصدر امني معني بالملفّ أنّ الاقتراح الدولي يقضي بان تسلم اسرائيل الأرض بعد انسحابها الى اليونيفيل، التي تسمح بدورها للجيش اللبناني بالدخول لاداء دور المراقبة.

لكن الانسحاب من الغجر لن يتمّ قبل منتصف يناير، ووفق الأسس نفسها التي تمّ على أساسها الانسحاب من جنوب لبنان في العام 2000 .

وقال مصدر معني بالتنسيق بين اليونيفيل والجيش ان الاقتراح الدولي لقي قبولا من لبنان واسرائيل، الا أن الجيش اللبناني لم يصرّح بذلك، بل أوحى به، لأنّه لا يستطيع تقديم تعهدات الى الاسرائيليين.

وبعد ... يبدو واضحاً أن القوة الدولية هي التي ستشرف على القرية بعد انسحاب اسرائيل منها، وسيظلّ أهلها يدخلون اسرائيل، حيث مصالحهم وبنيتهم التحتية. ويقول البعض انه اذا طالبت الدولة اللبنانية بالأرض، فسيطالب الأهالي بتعويضات خيالية، قد تصل الى نصف مليون دولار عن المنزل الواحد.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي