تاريخ لا يُمكن أن تنساه الذاكرة الكويتية والعربية والعالمية. فيه ذكريات أليمة عن غدر الجار لجاره والأخ لأخيه، في حادثة أصابت العقل العربي بالذهول، فسقطت أقنعة المندسين وتبيّن مَنْ بكى ممَنْ تباكى!
وعند أول طلقة غاشمة من المحتل، سقطت كل صيحات القومية العربية.
وتهاوت شعارات البعث العربي الكاذبة، والتي دمرت العراق وأبناءه طيلة عقود. في ذاكرتنا احتلت الكويت في غزو بربري غاشم اختلط فيه المجرم القاتل بالمخدوع والمغيب، حدث استباح الجار عرض جاره، فنهب ثرواته وسلب خيراته وقتل أبناءه.
مضت سبعة أشهر عجاف... لجأت فيها الشرعية الكويتية إلى الجارة الكبرى في المملكة العربية السعودية. فآوت ونصرت وبذلت كل ما عندها حتى عودة الحق المسلوب.
وهكذا فعلت دول الخليج والعرب الأخرى. ووقف العالم بقيادة الولايات المتحدة وبريطانيا في صف الكويت، وقادت عاصفة الصحراء حتى طردت المحتل الغاصب، وعادت الكويت حرة أبيّة من جديد. واندحر الغازي وهُزم شر هزيمة.
وبعد سنوات تم إسقاط نظام البعث وسلطته، وإعدام المجرمين وطي ملف الغدر والظلم وقتل الأبرياء.
عادت الكويت وشرعيتها وحكومتها وشعبها، بعد حرب جوية وبرية خاطفة هي عاصفة الصحراء. عادت بعد أن قدمت الشهداء الأبرار طيلة فترة الاحتلال.
عادت بعد دماء زكية أُريقت فوق تراب الكويت لمقاومة المحتل. عادت بعد مئات الأسرى في سجون العراق؛ منهم مَنْ قتل، ومنهم مَنْ لا يُعرف مصيره الى الآن.
للغزو الغاشم دروس تفيد هذا الجيل، الذي لم يعاصر الاحتلال. أهمها في هذه المحنة، أن أعز ما يملكه الرجل هو أرضه ووطنه. لا هوية لمَنْ لا وطن له.
والاوطان تُبنى بصدق الانتماء إليها. خصوصاً من الداخل.
واليوم نحذر... إن كان الغزو الخارجي قد ولّى زمانه، فلننتبه من أخطار الغزو الداخلي. العصبية التي تفتك بنا اليوم بكل ألوانها هي غزو داخلي.
الطائفية والقبائلية والحزبية والعائلية. التعصب للأفكار العلمانية والاسلامية واليسارية والقومية والليبرالية أيضاً غزو داخلي.
التشكيك في كل عمل في الدولة وطعن الأبرياء وقذف المحصنات، وتشويه الناجحين وتقزيم كل إنجاز أيضاً غزو داخلي. خيانة الأمانة ونقض العهود غزو داخلي.
سرقة الأموال وغسيلها غزو داخلي... انتشار الرشاوى وتزوير الشهادات وانحلال الأخلاق وتردي الخدمات هو غزو داخلي مدمر.
إن الغزو الداخلي اليوم يفتك بمجتمعنا وبهدوء... فهل نعصف به قبل أن يعصف بنا؟ وهل نلتفت لحصن الكويت من الداخل...؟
فالدور علينا شعبياً قبل الحكومة، علينا نحن كأفراد وأسر وجماعات ومؤسسات... مَنْ يحب الكويت فليدع الجدل للعمل. مَنْ يحب الكويت ليترك لعن الظلام ويؤدي أمانة عمله وليبدأ بنفسه قبل فوات الأوان.
أخيراً: لن ننسى ما حيينا شرفاء العالم الذين ساندونا؛ لن أنسى دور المملكة وقيادتها متمثلة في الملك فهد رحمه الله وكلماته المشهورة، ودور كل دول الخليج في البحرين وقطر والإمارات وعمان... كانوا نعم الإخوة والسند في وقت عز فيه الصديق والجار.
لن ننسى دور مصر العروبة بقيادة الرئيس الراحل حسني مبارك وقيادته للجامعة العربية، حتى وجّه أغلبية أعضائها لدعم قضيتنا.
لن ننسى أسرانا وموتانا وشهداءنا؛ رحمهم الله جميعاً وأبدلهم داراً خيراً من دارنا.
حفظ الله الكويت وشعبها من كل مكروه.
حفظ الله ولاة أمورنا وسدّد خطاهم، لما فيه خير بلدنا الكريم المعطاء.