أرسل لي صديق قصة أفراد العائلة الأميركية وأبيهم الكولونيل، الذي أمرته سفارته بالتواري عن الأنظار حتى لا يتخذ رهينة بيد القوات العراقية الغازية! العائلة هذه كانت تسكن الكويت قبل الغزو، مع ضيفها الذي وصل من أميركا للتو، ولم يكن لديها من طعام وشراب ومؤونة! روى صاحبي لي كيف أسلمت بسبب بذل المعروف وسد العوز عندما كان الكويتي الذي يطرق بابهم قادماً من الجمعية كل يوم لتزويدهم بالطعام والشراب طيلة وجودهم، وحتى تهريبهم مع الأميركان! وكان يطعمهم ويؤمنهم كواجب شرعي وأخلاقي!
فالإسلام لم ينتشر إلا بمثل هذه الأخلاق والقيم النبيلة.
والذي يظن أن الإسلام انتشر بالقتال والسيف وعلى أسنة الرماح، فهو مخطئ بلا شك. بل ساد الدنيا بالكلمة الطيبة؛ والتسامح والخلق الرفيع.
فلم يبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أحداً بالقتال إلا بعد التعدي عليه أو منعه من تبليغ رسالته.
وهو من أهدى المقوقس ملك مصر وهرقل قيصر الروم وكسرى فارس ودعاهم إلى الإسلام، وهو من قال لقومه: (اذهبوا فأنتم الطلقاء).
وبيّن القرآن أنّ (لا إكراه في الدين). فلكل أحد أن يختار عقيدته دون إجباره على اعتناق الاسلام... فقد تبين الرشد من الغي! و(لست عليهم بمسيطر)؛ (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)، فما عليك أيها المسلم إلا (البلاغ). (بلغوا عني ولو آية)، (وادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة).
وإن كان هناك نقاش مع أحدهم أو حوار فليكن (بالتي هي أحسن)، ولا تكن فظاً غليظ القلب فينفضوا. وهكذا كان صحابته وأتباعه ومن سار على نهجهم، فلماذا إذاً يشوّه البعض منهج الإسلام المليء بالرحمة واللطف والسهولة واليسر، لماذا يلصق البعض بديننا صفة الغلظة والتخلف والرجعية، ألم يسبق الإسلام بتعاليمه العظيمة منظمات حقوق الإنسان والحيوان؟
من الذي قال: (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً)، من الذي قال (إن امرأة دخلت النار بسبب هرة حبستها؛ لا هي أطلقتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض)، من الذي أمر بإطلاق عصفور مراعاة لحنين أمه فقال: (من فجع هذه بولديها)، ألم يسبق الإسلام العظيم منظمات حقوق الطفل والمرأة ؟!
أمر الإسلام باختيار الزوجة، (فاظفر بذات الدين تربت يداك) لتكون أماً لأبنائك؛ وأمرك باختيار الاسم الحسن لهم وتربيتهم وجعلهم حجاباً لك من النار، وأمرك برعايتهم فكلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، أما المرأة فلا وجود لقانون أو دين أو حضارة أكرمها وأنصفها كما فعل الإسلام.
الإسلام وأهله اليوم - رغم معاناته في كل مكان في العالم - إلا أنه يسود ويدخل البيوت والقلوب ويقرع كل وادٍ في الدنيا، لا توجد بقعة اليوم في الأرض إلا ويرفع فوق ترابها ذكر الله، ولن يدع بيت مدرٍ ولا وبر إلا دخله الإسلام بعز عزيز أو بذل ذليل.
إذاً لنفخر بهذا الإسلام العظيم وبحضارته الأخلاقية والقيمية والتربوية التي هي أعمق أثراً وأشد وقعاً.
العائلة الأميركية استغربت من الشاب الكويتي، الذي طرق بابها ليلاً ليعطيهم الطعام؛ فقالوا له من أنت وماذا تريد: قال أنا من جمعية الحي وجئت لكم بطعام. قال الكولونيل ولم تفعل ذلك.
قال ديني يأمرني فأنتم بجوارنا... قال ماذا يقول دينك. قال: (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه؛ ذلك بأنهم قوم لا يعلمون).
عند ذاك اطمئن الأميركي وأدخل الكويتي بيته وأسلم على يديه.