التهرب الضريبي يعيد الرئيس السابق إلى الأضواء
تعثّر محاولات ترامب في إضعاف بايدن واخضاع الحزب الجمهوري
منذ حظر مواقع التواصل الاجتماعي، حسابات الرئيس السابق دونالد ترامب، والأخير يسعى للعودة الى دائرة الضوء، فقام بإنشاء موقع خاص له على أمل أن يتبعه الأنصار والمؤيدون، لكن الموقع مني بفشل ذريع، أجبر ترامب على إغلاقه. وبعد فشله إلكترونياً، قرر بدء حملته الانتخابية بسلسلة من الخطابات في عموم الولايات.
تمحورت خطابات ترامب حول خطوط عريضة، أولها أنه رمى بثقله خلف منافسي مشرعين جمهوريين ممن تجرأوا على تخطيه والتصويت الى جانب الديموقراطيين في مشروع قانون عزله، مطلع العام، وثانيها أن ترامب يسعى للاطاحة بكل من انتقدوا الهجوم الذي نفّذه أنصاره على مبنى الكونغرس في السادس من يناير الماضي.
ترامب يسعى بكل ما أوتي من قوة لتأديب أعضاء الكونغرس ممن رفضوا تبني مواقفه التي يصر فيها أن الانتخابات مزورة، وفي صدارة هؤلاء عضو الكونغرس الجمهورية عن ولاية وايومينغ ليز تشيني، ابنة نائب الرئيس السابق ديك تشيني، والتي صوتت لخلع ترامب، وانتقدت دفاع الجمهوريين عن أحداث السادس من يناير، وهو ما دفع بالقيادة الجمهورية في الكونغرس، والموالية لترامب، الى خلعها من منصبها القيادي.
وقبل أيام، صوّت الكونغرس، الذي تسيطر عليه غالبية ديموقراطية، على تشكيل لجنة للتحقيق في أحداث الهجوم على الكونغرس. واتفقت رئيسة الكونغرس الديموقراطية نانسي بيلوسي مع تشيني على مشاركة الأخيرة في اللجنة، وهو ما زاد من حنق ترامب عليها، وتوعد باخراجها من الكونغرس في الانتخابات النصفية المقررة العام المقبل.
لكن يبدو أن تشيني لا تتصرف بتهور، بل هي تقرأ استطلاعات الرأي السرية التي تجريها قيادة الحزب الجمهوري، والتي تظهر تدهور شعبية ترامب في كل الدوائر الانتخابية المتأرجحة، وهو ما يعني أن استمرار تمسك ممثلي هذه الدوائر من الجمهوريين بترامب سيؤدي الى خسارتهم هذه الدوائر أمام منافسيهم الديموقراطيين.
صحيح أن لترامب تأييدا داخل الحزب الجمهوري يجعله زعيم الحزب من دون منازع، لكن في أوساط القاعدة الأوسع للحزب، بالكاد تتعدى شعبية ترامب الثلث بقليل.
وأظهر أحدث استطلاعات الرأي الذي أجراه معهد «يوغوف»، أن شعبية كل من الرئيس جو بايدن وترامب لم تتغير منذ يناير الماضي، وأنه لو ترشح الرجلان للانتخابات الرئاسية المقبلة في 2024، فإن بايدن سيتغلب على ترامب مرة ثانية.
وفي استطلاع يناير، عبّر 53 في المئة عن رأي إيجابي تجاه بايدن، أما في استطلاع الشهر الماضي، فحافظ بايدن نسبياً على شعبيته بـ 50 في المئة من المؤيدين.
ومثلما حافظت أرقام شعبية بايدن على استقرارها، كذلك فعلت أرقام ترامب، حيث أظهر الاستطلاع الأخير، أن 41 في المئة، يؤيدونه، بانخفاض بلغ نقطة مئوية واحدة عن يناير.
وعلّق توماس جيفت، المدير المؤسس لمركز السياسة الأميركية في جامعة كوليدج لندن، في تصريح لـ «نيوزويك» بالقول إن «ثبات أرقام الرجلين سببه كون لكل منهما كمية معروفة».
وظهرت أولى بوادر ضعف شعبية ترامب داخل الحزب الجمهوري في ولاية ويسكونسن، التي تعقد انتخابات تمهيدية لانتخاباتها المحلية.
وبالمناسبة، أصدر ترامب بياناً هاجم فيه رئيس مجلس الولاية، روبن فوس، واثنين من المشرعين الجمهوريين الآخرين، لأنهم لم يروّجوا لتصريحاته التي يصر فيها أن الديموقراطيين سرقوا الانتخابات منه.
لكن في انتكاسة نادرة، بدا ترامب في ويسكونسن وكأنه «من دون أسنان»، حسب التعبير الأميركي، اذ عندما اعتلى فوس وديفين ليماهيو، زعيم الغالبية في مجلس الشيوخ في الولاية، المنصة، أمام بعض أكثر الجمهوريين تأييداً لترامب، بدا المشهد وكأن ترامب لم يهاجم أي منهما، اذ لم يكن هناك صيحات استهجان، بل لقي فوس تصفيقا حاراً، ورفض المشاركون في المؤتمر محاولة توجيه أي لوم إليه.
ترامب عاد الى دائرة الأضواء من حيث لا يرغب، مع إعلان الادعاء العام لولاية نيويورك، ومعه مكتب الادعاء الفيديرالي لدائرة نيويورك الجنوبية، تقديم لائحة اتهامية بحق المدير المالي لمؤسسات ترامب، الن ويسلبرغ، بتهمة التلاعب الضريبي والتهرب.
والرجل الذي يعمل مع ترامب كأقرب المقربين له على مدى 47 عاماً، يحتفظ بدفتري ضرائب، واحد يقدمه لدائرة الضرائب، وواحد أكثر تفصيل يحتفظ به سراً.
في الدفتر السري أن المكافآت التي يقدمها ترامب لكبار العاملين في مؤسساته - على شكل ايجار بيوت وأقساط تعليم للأولاد وتكاليف سفر الاجازات السنوية - لم يصرح ويسلبرغ عن أي منها، وهو ما يبقيها خارج إطار الضرائب، أي ما يجعلها تهرباً.
وتشير التقارير إلى أن الادعاء المحلي والفيديرالي حاولا عبثاً التوصل لاتفاقية مع ويسلبرغ للبوح بكل المخالفات التي يعرف أن ترامب ارتكبها، مقابل الاعفاء عنه أو اعطائه عقوبة مخففة الى أقصى حدود. لكن الرجل يدين بولاء مطلق لترامب، ورفض الدخول في أي صفقة مع الادعاء، بل أن محاميه رد على الاتهام بعدم الاعتراف بالذنب، وهو ما يعني الذهاب الى مواجهة أمام المحكمة، ويعني المخاطرة بعقوبة قد تصل الى السجن 15 عاماً.
بدوره، شن ترامب هجوماً على قرار الادعاء، واصفاً اياه بالكيدي والسياسي الذي يسعى من خلاله «اليسار الديموقراطي المتطرف» الى النيل من ترامب، «فقط لأنه ترامب».
وفي إشارة لا تمت الى سياق المواجهة القضائية بصلة، تساءل ترامب عمن يقف خلف مقتل آشلي بابيت، وهي عسكرية سابقة شاركت في الهجوم على الكونغرس، وقتلت برصاصة لم يتم الكشف عن هوية مطلقها.
المؤشرات جميعها تشي بأن ترامب لم يشبع من السياسة بعد، رغم كل المصاعب التي تتسبها له ولأعماله ولسمعته، بل يبدو أن الرئيس السابق يعتقد أنه يمكنه مواجهة أزماته مع القضاء ودائرة الضرائب عن طريق اتهام ما لا يعجبه على أنه «استهداف سياسي»، لا ضده فحسب، بل ضد مؤيديه كذلك، على غرار التحريض الذي مارسه ترامب في السادس من يناير، والذي جاءت نتائجه كارثية، لا على ترامب وأنصاره فحسب، بل على الولايات المتحدة بشكل عام.