رفض التطعيمات... بين الأسباب والتداعيات والحلول
منذ إعلان مرض كوفيد- 19 جائحةً عالمية في فبراير 2020، يشهد العالم تهديداً مستمرّاً. ومع ارتفاع معدل الوفيات وظهور المتحورات الفيروسية واحداً تلو الآخر، يزداد القلق والخوف.
وعلى الرغم من توافر تطعيمات عدة للوقاية من ذلك المرض، لا يزال الوضع غير مطمئن، وذلك بسبب إعراض فئة من الناس عن تلقّي التطعيم.
في التقرير التحليلي التالي، نسلط أضواء على العوامل التي تقف وراء هذه الظاهرة التي تشكّل خطراً كبيراً على العالم بأكمله، والتداعيات المتوقعة، وكيف يمكن التصدي لها...
دراسات... وأسباب نشرت دورية «نيتشر كومينيكيشنز» العلمية دراسة حللت بيانات تمثيلية على المستوى الوطني في كل من أيرلندا والمملكة المتحدة، وخلصت تلك الدراسة إلى الكشف عن أن التشكك ضد تطعيمات كوفيد- 19 يظهر بشكل واضح لدى 35 في المئة من سكان أيرلندا و31 في المئة من سكان المملكة المتحدة.
وأسفرت الدراسة ذاتها عن وجود اختلافات في عدد من الأسباب الاجتماعية والديموغرافية (السكانية) والصحية لدى الأشخاص الرافضين للتطعيمات، ولكنهم يتشابهون في مجموعة واسعة من التركيبات والعوامل النفسية.
كما أوضحت الدراسة أن الرافضين للتطعيم أقل احتمالاً لاستقاء معلوماتهم حول الجائحة من مصادر رسمية موثوقة، وأن لديهم درجات متفاوتة من عدم الثقة بتلك المصادر، مقارنةً بالمستجيبين لتلقّي التطعيمات.
وعلى الرغم من أنه لا يمكن تعميم نتائج هذه الدراسة بحذافيرها على جميع سكان العالم، فهناك العديد من الدراسات الأخرى التي تنسجم نتائجها معها، كما أنها تشير إلى الخطر ذاته.
وفي الإطار ذاته، نشرت دورية «سعودي فارماثوتيكال جورنال» نتائج دراسة استطلاعية حديثة حول مشاعر الجمهور العربي في منطقة الشرق الأوسط إزاء التطعيمات.
وأُجريت تلك الدراسة من خلال استبانة وُزّعت عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي في أربع دول عربية هي: الأردن والسعودية ولبنان والعراق.
ومن بين 2925 مستجيباً، أبدى 25 في المئة فقط ارتياحهم واستعدادهم لتلقي التطعيم. وكان العراقيون الأكثر استعداداً لتلقي التطعيمات (بنسبة 35 في المئة)، في حين كان الأردنيون الأقل (بنسبة 17 في المئة).
وأبدى 60 في المئة من إجمالي المتقبلين للتطعيم استعدادهم لدفع ثمن مقابل اللقاح إذا لم يكن ممكنا تغطية التكلفة من جانب الحكومات.
ومع ذلك، فإن 30 في المئة من المتقبلين لأخذ التطعيم قالوا إنهم «غير متأكدين من تحديد التطعيم الأفضل»، وقال 11 في المئة إن «أي تطعيم جيد ويفي بالغرض».
وكانت وسائل التواصل الاجتماعي هي المصدر الرئيسي لمعلومات الرافضين المشاركين في ذلك الاستطلاع حول كوفيد- 19 وتطعيماته.
كما أجرى معهد إمبيريال كوليدج لندن دراسة استقصائية حول المخاوف في شأن الآثار الجانبية وما إذا كانت التطعيمات قد خضعت لاختبارات كافية وراء مقاومة التطعيم.
وشملت الدراسة 15 دولة هي: أستراليا، كندا، الدنمارك، فرنسا، ألمانيا، فلسطين، إيطاليا، اليابان، النرويج، سنغافورة، كوريا الجنوبية، إسبانيا، السويد، المملكة المتحدة، الولايات المتحدة. وأُجريت الدراسة خلال الفترة بين مارس ومايو من العام الجاري.
وأفاد التقرير الذي نتج عن تلك الدراسة أن أكثر أسباب مقاومة التطعيم شيوعاً تنبع من المخاوف «غير المبررة» من المضاعفات المحتملة للقاحات، والشكوك في شأن عدم الحصول على التطعيم المناسب، والتوجس من كون التطعيمات غير فعّالة بدرجة كافية.
وقال البروفيسور فايد عطايا، اختصاصي الفيروسات والمناعة في مدينة الأبحاث بالإسكندرية وأستاذ مساعد في قسم الفيروسات والخلايا الجذعية بكلية الطب التابعة لجامعة شانتو الصينية: «تتفاوت الأسباب لدى رافضي التطعيمات في مصر بين عدم الثقة بالتطعيمات، والقلق من التأثير بعيد المدى لها، إلى جانب الشك في ضرورة التطعيم من الأساس».
وأرجع عطايا جزءاً من القلق والتوجس إزاء تطعيمات كوفيد- 19 إلى قِصر المدة التي طُورت فيها، مضيفاً: «في غضون أقل من عام، صُنعت خمسة تطعيمات حول العالم، وذلك على الرغم من أن تطوير التطعيمات يستغرق عادة بضع سنوات.
ولكن حقيقة الأمر هي أن السبب وراء سرعة تطوير تلك التطعيمات يكمن في وجود تقنيات متقدمة، وضخ تمويل ضخم من جانب كبريات الشركات ومراكز البحوث، وكذلك إقبال الجامعات العالمية على الانخراط في تسريع جهود الابتكار والتطوير».
وخلص تقرير معهد إمبيريال كوليدج لندن إلى أن الشبح الأبرز لدى القلقين من التطعيمات يتمثل في التخوف من التأثيرات الجانبية.
لكن الدكتور رفعت عبد الله شرف - استشاري باطنة عامة وزميل الكلية الملكية بلندن – يرد على ذلك التخوف قائلا: «التطعيمات إما أن ترسل إلى الخلية البشرية إشارةً لتبدأ تصنيع بروتين يشبه البروتين المكون لأشواك فيروس كورونا، المعروف بالبروتين الشويكي أو البروتين (S)، أو أنها تتألف من فيروس مُعطل يتحلل خلال أيام تاركاً وراء البروتين (S) فقط ليحرض الجهاز المناعي على إفراز أجسام مضادة».
وأضاف الدكتور شرف مطمئناً المتخوفين: «منذ ثلاثينات القرن الماضي، يواصل الباحثون تطوير تطعيمات تعتمد على البروتينات لمكافحة أمراض فيروسية وبكتيرية مختلفة، وهي تطعيمات آمنة ولا تسبب تأثيرات جانبيةً على المدى البعيد».
عوامل نفسية... وغريزية يقول البروفيسور عطايا: «بشكل عام، رفض التطعيمات هو أمرٌ خطيرٌ بدأت موجاته مع بدء استخدامها قبل أكثر من نحو 80 سنة؛ إذ ظهرت فئات متنوعة من الناس رافضين التطعيم بشكل قطعي، من ضمنهم أساتذة وأطباء متخصصون في مصر وعلى مستوى العالم». ويضيف: «كطبيب، أقابل يوميّاً مرضى متخوفين من التطعيمات ومضاعفاتها، ولديهم تساؤلات وشكوك عديدة في شأنها.
بل تتسع هذه الحالة من القلق لتشمل بعض الأطباء والممرضين أيضاً. والأطباء والممرضون الرافضون لتطعيم هم أنفسهم ممن لا يتبعون قواعد الطب المبني على الدليل، وغالباً ما تكون ممارستهم للطب غير سليمة.
الواقع أن انحرافات التفكير موجودة بين جميع فئات المجتمع، بمن في ذلك العاملون في القطاع الطبي. الخوف يتحكم في كل فرد بشكل مختلف، وقد يدرس شخصان الشيء ذاته، ولكن لا تتكون لديهما العقلية النقدية ذاتها».
ويرى اختصاصيون نفسيون أن الخوف من التطعيمات قد ينبع أساساً من غريزة رغبة البقاء الكامنة لدى البشر، إذ ان التطعيمات تمثل للبعض مغامرة غامضة العواقب، لذا فإن: «الشعور بالخوف على البقاء يتسبب في إلغاء التفكير المنطقي، فضلاً عن أن معظم الناس يحصلون على معلوماتهم بشكل سريع وعشوائي ولا يكلفون أنفسهم عناء التحقق من مصادر موثوقة».
كما تتدخل بعض الانحيازات الفكرية لتخلق الخوف من التطعيمات، بما في ذلك نزعة «الانحياز إلى المعلومة الأولى» - كالاشاعات التي ظهرت في بدايات انتشار فيروس كورونا المستجد حول أن هذا الفيروس هو مؤامرة عالمية، وأنه فيروس مُصنع في المختبر - حيث يظل العقل الباطن محتفظاً بمثل تلك المعلومات ويبقى منحازاً إليها، ثم يبحث عما يؤكدها باستمرار مع رفض أي شيء ينفيها، وهو الأمر الذي يُعرف في مجال علم النفس بـ«الانحياز التأكيدي».
وقد تبلور إجماع واسع النطاق بين أهل الاختصاص حول ضرورة التوعية بخطأ ما يروجه رافضو التطعيمات من انحيازات فكرية مغلوطة، وذلك كخطوة أولى نحو التغلب عليها والتشجيع على التفكير المنطقي في جميع المميزات أو العيوب المحتملة.