موجة الغبار التي اجتاحت البلاد منذ أيام... ذكّرتني بالأوضاع السياسية في مجلس الأمة التي تزداد ضبابية، في مقاييس العمل البرلماني، فلا تزال المواقف متناقضة ومتشابكة من دون وجود أفق لحلها وحلحلتها، هذه الصورة معيبة ومؤذية للمشهد الديموقراطي في الكويت، منذ بداية التجربة في مطلع الستينات من القرن الماضي.
فرغم مرور تجارب أكثر دراماتيكية خلال العقود الستة، بدءاً مما جرى في انتخابات 1967، ومروراً بأزمات السبعينات ومجلس 1985، وانتهاء بتجارب السنوات العشرين الأخيرة، إلا أن ما يحدث حالياً هو علامة فارقة في الأداء البرلماني الكويتي، فهو جمع كل المتناقضات في آن واحد.
اختلاف وخلاف
لم يعد خافياً على المتابع للمشهد السياسي في مجلس الأمة، حجم الخلافات بين أعضاء كتلة المعارضة في هذا المجلس، والذين وصل عددهم إلى ما يقارب الأربعين نائباً، فبعد الانتخابات في كتلة واحدة باتوا حالياً كتلاً عدة مختلفة لا يجمعهم الإطار الواحد، الذي ضمهم في البداية، وأصبحت خلافاتهم في ما بينهم طافية على المشهد بشكل فردي وجماعي.
حيث اختلفت أجنداتهم مثلما تشرذمت المظلة التي تجمعهم، وحين تم انتخابهم كانت جل مطالبهم هي مطالب الشعب، ثم تركزت على أحداث جلسة الافتتاح، وتغيّرت عندما أسقطت المحكمة عضوية النائب السابق بدر الداهوم، ثم ذهبت المطالب الشعبية أدراج الريح، وما إن تكرر مسلسل رفع الجلسات، لم تستوعب المعارضة أن السياسة هي فن الممكن، فظهروا ببدعة الجلوس على مقاعد الوزراء، الأمر الذي فوّت الفرصة على المطالب الشعبية، لترى النور، ولم تستوعب تلك المعارضة الرسالة الشعبية في انتخاب النائب الدكتور عبيد الوسمي برقم غير مسبوق، فواصلت مغامرتها في «لعبة الكراسي»، رغم فداحة الخطأ جراء السير فيها، فما الذي تسير عليه كتلة المعارضة، وما الذي تريد الوصول إليه لا أحد يفهمهم !
الحكومة العتيدة
هذه الأحداث محل الشرح، لا تعفي «حكومتنا العتيدة» من الأخطاء المتراكمة، في عملها الرسمي والفني فضلاً عن عملها السياسي، فلا تزال تمارس مسلسل الأخطاء الدائمة في الملفات كافة، وعلى سبيل المثال - وليس الحصر - لا تزال وزارة الصحة تمارس لعبة الضياع في إدارة أزمة فيروس كورونا، فهي حتى الآن لا تزال تلمح عن إمكانية إعادة الحظر على المواطنين والمقيمين، رغم ثبوت فشل هذه الإستراتيجية في تقليص هذه الجائحة، وبينما تواصل تخبطاتها لكنها لا تزال تحتفظ بلجنة تعطي استثناءات، ما ساهم في دخول «المتحور الهندي» إلينا، رغم نفيها ببيانات ناعمة بداية، ومع ثبوت وجوده، عادت واعترفت بدخوله البلاد، كما أنها أرادت أن تظهر ببدعة جديدة، وهي استخدام الجزيرة الصناعية الجنوبية في جسر جابر كمركز للتطعيم في السيارات، وأرهقت الشركات النفطية في تجهيزه بسرعة قياسية، وكل ذلك ليس مجانياً، لتحويلة لمركز صالح للتطعيم، فأعلنت أنها ستجعله لتطعيم الجرعة الثانية لمدة سنتين، وقبل أن يمر عليه أسبوعان من العمل أعلنت عن إغلاقه بسبب موجة الغبار، رغم أنه يقع في قلب البحر، وهذا نموذج واحد من أخطاء جزء مهم من هذه الحكومة، والسؤال العريض الى أين ستؤول الأمور على المشهد السياسي في مجلس الأمة، وحتماً لمن يتابع ذلك سيصل إلى ثلاث إجابات، أولاها هل ستتوافق السلطتان في المستقبل القريب، خصوصاً أننا على أعتاب انتهاء دور الانعقاد الأول من الفصل التشريعي السادس عشر، ونسبة هذه الإجابة تحتاج معجزة لتتحول من صفر في المئة إلى رقم معقول.
أما الإجابة الأرجح فهي اعتماد الميزانيات، وإنهاء دور الانعقاد وبدء العطلة البرلمانية، لتؤجل كل الملفات وتشخص الأنظار إلى افتتاح دور الانعقاد الثاني في أكتوبر أو نوفمبر المقبلين.
وأما الإجابة الثالثة، والتي لا تملك السلطتان أدواتها، وهي تعليق العمل البرلماني لفترة قد تتجاوز العام، وكما أسلفت فإجابتها ليس بحوزة السلطتين، بل هي من صلاحيات المقام السامي لسمو الأمير ولا أحد يستطيع التكهن بها، لكن اليقين الذي لا يساور الإنسان شك فيه، هو أن المشهد السياسي في البرلمان، إلى مزيد من التراجع، ويشبه موجة الغبار المستمرة حالياً.