الصراعات عبر التاريخ وإلى يومنا هذا لم ولن تنتهي، ولعل أشهرها وأكثرها ذكراً في التاريخ، صراع خامس وآخر أباطرة روما نيرون ووالدته التي حاولت انتزاع ملكه، وساندها الكونغرس فهاج نيرون وأمر بقتلها، وأمر جنوده بإحراق روما، لم يكن نيرون عدواً للرومان ولا كانت أمه عدوة له، وإنما أرادت ان تستبدله بأغسطس، الذي وعدها بتتويجها إمبراطورة على روما باتخاذها زوجة له، إنها مصالح متشابكة ظاهرها الحفاظ على روما، وحقيقتها نزاعات وأطماع شخصية انتهت بحرقها.
في الكويت، يقود الصراع الجاري حالياً، فريق من المعارضة الكويتية في محاولة منه لتزعمها، كبديل للقيادة التقليدية في مهجرها المختار، وهو يتمسك بمطالب يصفها غالبية المراقبين الساخطين على الأوضاع الخطيرة بأنها مخالفة لمواد الدستور ومتناقضة مع النهج الديموقراطي وتخلّ بالعهد التوافقي في الكويت، وأهم هذه المطالب الإصرار على رحيل رئيسي البرلمان والحكومة، وللأسف يستخدم الفريق المعارض، لغة حوار ممعنة في الشخصانية وفي تدني مفرداتها أحياناً.
من مظاهر سوء أداء الحكومات المتعاقبة في الفترة التي واكبت الحل غير الدستوري للبرلمان (في العامين 1976 و 1986)، الانفراد بالسلطة وتفشي الفساد، وغياب الرؤية الطموحة للتطور والرخاء الدائمين، والاكتفاء بالمقارنة بدول المنطقة المتعثرة على مؤشرات النماء بدلاً من الاخذ بنماذج الدول المتقدمة، والانحياز لرأس المال بدرجة شجعت «البعض» في التطاول على المال العام، فضلاً عن تغييب نهج العدل والمساواة في تسكين المناصب القيادية، ويقتضي الإنصاف الإقرار بأن الحكومة الحالية غير مسؤولة عن هذا كله إذ لم يمكّنها البرلمان من أداء القسم أمامه إلا قبل أسابيع قليلة، واتهامها به والمطالبة برحيل رئيسها بسببه يعد مخالفة لنصوص الدستور وللتجربة ولا يبرر تهديدات الفريق المعارض بإفشال الدولة، اذا لم يُقَل الرئيسان فإما هذه أو تلك!
إن حل الأزمة ممكن بتوافر مجموعة من العوامل، في طليعتها العمل على أن يتولى قيادة المعارضة، زعيم من القوة بمكانة تؤهله لإجراء الاتفاقات، ويتمتع باحترام كل الأطراف، ويعرف عنه الحكمة والقدرة على القيادة، على أن تدعو القوى الوطنية ونخب المجتمع وجمعيات النفع العام وغرفة التجارة المتنازعين، لعقد مؤتمر وطني للحوار من دون شروط مسبقة، لصياغة وثيقة تفاهم مبنية على نتائج الحوارات، يعقبه ما يناسب حى لو كان إعادة الانتخابات البرلمانية.
ويجري سمو الرئيس تغييراً حكومياً شاملاً يستبقي فيه على من يقرره، وتوكل بقية الوزارات إلى حكماء المعارضة ومرشحيها، فإن تعثرت فرص عقد هذا المؤتمر - لتعنت أحد الأطراف - يصبح عزل الفريق المتعنّت واجباً داخل البرلمان ومجتمعياً، ويصاحب هذه الإجراءات إصدار تشريعات محددة بدقة، ومنسجمة مع روح ونصوص الدستور، ورادعة بشدة لكل من تسوَل له نفسه تقويض الاستقرار وتهديد أمن البلاد وكيانها، وغاياتها نبيلة، ولا يمكن تأويلها أو استغلالها ضد الحريات المشروعة والمكتسبة.