من أجل القيم وأعزها - في هذا الزمن - قيمة الإنصاف. أن تنصف نفسك والآخرين، في الرأي والحوار والنقد.
الانتصار للذات أو الظلم والتعدّي والعدوان، وهضم حقوق المخالف لك، من صفات المتكبرين والمعتدين.
(اعدلوا هو أقرب للتقوى).
تضج المحاكم اليوم بالقضايا والدعاوى، بسبب الظلم والبغي والافتراء.
ولو تبيّن وتثبّت الناس قبل الأحكام والتغريدات، ومعرفة ملابسات الأحوال لما وصلنا لهذا المستوى.
الكل يدعي العلم والمعرفة... والجدال يسود كثيراً من مجالسنا ودواويننا وكلوباتنا! الجدال الذي لا يثمر ولا يُبنى عليه عمل... إثارة وشحن النفوس وبث للنزاعات المقيتة والجاهلية، التي لا تخدم سوى الأعداء.
تحوّلت العيون عن الجمال إلى قبائح المشاهد... وانصرفت عن الجهود الطيبة إلى غيرها من الإخفاقات... وصرنا كالذباب الذي لا يقع إلا على الجروح والأوساخ! لدينا في أوطاننا الكثير من الجماليات والإيجابيات، وفي كل زاوية من زوايا المجتمع والوطن هناك إنجازات وثمار... لماذا نزكّي أنفسنا ونقدح باختيارات الآخرين واجتهاداتهم ؟
يقول الشافعي رحمه الله: (قولي صواب يحتمل الخطأ وقولك خطأ يحتمل الصواب).
من الإنصاف النظر في حسنات الرجل وسيئاته، فإن غلبت حسناته فهو على خير... وكفى المرء أن تعد معايبه ! وكذا الأمر بالنسبة للمجتمعات والأوطان وغيرها.
يقول يحيى بن معين أحد التابعين: إننا نطعن بأقوام لعلهم قد حطّوا رحالهم في الجنة منذ مئتي عام.
فالإنصاف عزيز، وهو من خُلق الأفاضل وأشراف الناس... والتعدي والبغي والسب والوقيعة، من الصفات المذمومة التي اتصف بها المنافقون عبر التاريخ.
لا شك ان النقد مطلوب إذا كان الغرض منه البناء والتصحيح، وهو أيضا مذموم، إذا كان للهدم والتشفّي وانتصار النفس.
والأخطر من ذلك من يحاول أن يبرز قدراته العقلية والثقافية، من خلال نقده لثوابت الإسلام، تحت ذريعة حرية الرأي والفكر... وهذا الصنف من الناس، كمن يناطح الجبل أو من يغطي شعاع الشمس... وهل تحتاج الشمس إلى دليل !
لا بد من مراجعات للنفس والفكر، قبل إطلاق الرأي والنقد. فبئس مطيّة القوم... زعموا ! اللهم اجعلنا من عبادك المنصفين، ولا تجعلنا من الظالمين.
والله من وراء القصد.