المؤسسة العسكرية الأميركية «محتارة» في كيفية التعامل مع الملف الإيراني

السفينتان الحربيتان الإيرانيتان تبحران في الأطلسي باتجاه فنزويلا
السفينتان الحربيتان الإيرانيتان تبحران في الأطلسي باتجاه فنزويلا
تصغير
تكبير

كشف ابحار سفينتين عسكريتين إيرانيتين عبر المحيط الأطلسي باتجاه فنزويلا عمق الانقسامات التي تعانيها الولايات المتحدة في التعامل مع الملف الايراني.

القيادة العسكرية ترغب في اعتراض السفينتين واعادتهما من حيث جاءتا، أما القيادة السياسية، خصوصا وزير الخارجية انتوني بلينكن ومسؤول الملف الايراني روبرت مالي، فتسعى الى تقديم أكبر عدد ممكن من التنازلات لحمل طهران على العودة الى الاتفاق النووي.

عسكريا، أظهرت صور الأقمار الاصطناعية أن احدى السفينتين، اللتين اجتازتا رأس الرجاء الصالح في جنوب أفريقيا واستدارتا باتجاه الشمال الغربي، تحمل على متنها سبعة من الزوارق السريعة، التي غالبا ما تستخدمها بحرية «الحرس الثوري» في التحرش بالبوارج العسكرية الأميركية في الخليج.

وفي جلسة استماع لوزير الدفاع أمام مجلس الشيوخ، الأسبوع الماضي، رفض لويد أوستن الافصاح عمّا تعتقد بلاده أن السفينتين الايرانيتين تحملانه، لكن الاجماع العام في العاصمة الأميركية أنهما محملتان بالأسلحة.

ومن الأسلحة التي تثير قلق المؤسسة العسكرية خصوصاً، الصواريخ البالستية والطائرات المفخخة من دون طيار، على طراز التي تزودها ايران للميليشيات الموالية لها في منطقة الشرق الأوسط.

ويعتقد القادة العسكريون أن «آخر ما تريد أن تراه الولايات المتحدة قاعدة للصواريخ والدرونات المفخخة الايرانية على مقربة من الحدود الجنوبية» للبلاد، وهو ما يدفع العسكر الى اعتبار ان اعتراض السفينتين ومنع وصولهما الى فنزويلا قد يكون الخيار الأنسب، في وقت أرسلت واشنطن الى كراكاس رسائل ديبلوماسية حذرتها فيها من استقبال السفينتين أو افراغ حمولتيهما.

لكن أي تحرك عسكري لمنع سير السفينتين سيكون بمثابة تصعيد يناقض ما دأب بلينكن ومالي على فعله منذ أشهر، لناحية تقديم سلسلة من التنازلات لإيران لحثّها على العودة للاتفاقية النووية.

وحتى الآن، شملت التنازلات الأميركية تحرير قرابة خمسة مليارات دولار تعود لطهران كانت مجمدة لدى حكومتي كوريا الجنوبية والعراق ثمن نفط وكهرباء.

كما قامت واشنطن برفع بعض العقوبات في قطاعات تستميت ايران من أجل رفع العقوبات عنها، وهي الطاقة والشحن البحري والتأمين التابع له.

ورصد المتابعون قيام إدارة الرئيس جو بايدن، في السياق نفسه، برفع العقوبات عن عدد من أركان نظام الرئيس السوري بشار الأسد، في أحدث بوادر حسن النية التي تستعرضها الولايات المتحدة على إيران.

على أن هذه الخطوات أثارت حفيظة مشرعين من الحزبين، قال بعضهم، بتهكم، إنه في الوقت الذي ستتحول المفاوضات مع ايران من غير مباشرة الى مباشرة، ستكون واشنطن قدمت كل ما يمكنها من تنازلات بشكل لا يعود هناك ما هو مطلوب التفاوض عليه.

وذهب أعضاء الكونغرس من الجمهوريين أبعد من زملائهم الديموقراطيين، ووجه ثلاثة منهم رسالة الى وزيرة الخزانة جانيت يلين طالبوها بتزويدهم بالوثائق التي بنت الإدارة موقفها عليها في عملية رفع ايرانيين وسوريين عن لائحة الكيانات التي تشملها العقوبات بسبب تورطها في أعمال مرتبطة بالإرهاب.

وقال عضو الكونغرس براين ستيل، في بيان، إن «إدارة بايدن ألغت العقوبات المفروضة على الأفراد والكيانات المرتبطة بتمويل الإرهاب... في الوقت الذي تواصل فيه إدارة بايدن مناقشات الاتفاق النووي مع النظام الإيراني».

وأضاف: «أريد إجابات حول ما إذا كان هؤلاء الأفراد والكيانات، الذين تم رفع العقوبات عنهم، لا يزالون يرتكبون السلوك نفسه الذي تسبب بالعقوبات عليهم أصلاً، مثل تمويلهم نظام (الرئيس بشار) الأسد الوحشي في سورية، أو الإرهاب في سائر أنحاء العالم».

وتابع ستيل: «مازلت أشعر بالقلق من أن هذا هو تنازل آخر من جانب الولايات المتحدة في محاولة لاسترضاء إيران والانضمام مرة أخرى إلى اتفاق إيران النووي المعيب».

أما في رسالة ستيل وزميليه الجمهوريين في الكونغرس جيم بانكس وجو ويلسون الى وزارة الخزانة، فورد التالي: «نحن ملتزمون التحقيق في أي وجميع حالات تخفيف العقوبات المقدمة إلى إيران وحلفائها، (اذ) لم يكن هناك تشاور كاف مع الكونغرس قبل إزالة هؤلاء الأفراد والكيانات من قائمة الارهاب (في وقت) ذكر بيان صحافي لوزارة الخزانة أن عمليات الشطب هذه، هي نتيجة لتغيير تم التحقق منه في السلوك من جانب الأطراف الخاضعة للعقوبات، وإثبات التزام الحكومة الأميركية رفع العقوبات في حالة حدوث تغيير في سلوك الأشخاص الخاضعين للعقوبات».

وجاء في الرسالة: «هذا تفسير غير كافٍ لأننا لم نر أي دليل يدعم هذا الادعاء، لذلك، نطلب من وزارتكم تقديم نسخ عن كل المستندات والمراسلات المتعلقة بعمليات الشطب إلى الأعضاء وموظفي الغالبية والأقلية المناسبين في لجنة الخدمات المالية في مجلس النواب، كما نطلب منكم التحقق من أن هؤلاء الأفراد والكيانات لم يشاركوا في سلوك آخر خاضع للعقوبات».

بدوره، اعتبر ايمانويل اوتلنجي، الخبير في «مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات»، وهو مركز للأبحاث مقره واشنطن، أن سبب استفزازات طهران هو اعتقادها أن واشنطن لن ترد.

وكتب على موقع المركز بحثا ذكر فيه أنه «بينما تعتقد واشنطن أن التنازلات هي مفتاح الانفراج في العلاقات مع طهران، الا أن هذه الإجراءات هي بمثابة ضعف في نظر طهران».

ورأى اوتلنجي أن «إرسال قافلة عسكرية إلى الفناء الخلفي للولايات المتحدة هو أكثر من مجرد اختبار لقدرة الملاحة البحرية الايرانية، بل هو بيان مفاده بأن إيران تستفز الولايات المتحدة لأنها تستطيع القيام بذلك».

وتابع الخبير الأميركي أن الأحداث التي أعقبت الصفقة النووية تكشف «سبب شعور إيران بقدرتها على إرسال سفن حربية إلى الفناء الخلفي لأميركا مع إفلاتها من العقاب».

وقال إنه «لم يكن الحبر قد جف بعد على خطة العمل الشاملة المشتركة»، في العام 2016، «عندما بدأت طهران باستخدام شركة الطيران الوطنية، إيران للطيران، لنقل الآلاف من مقاتلي الميليشيات إلى سورية في ذروة الحرب الأهلية هناك، وهي الشركة نفسها، التي بصفتها (مستفيداً رئيسياً) من خطة العمل الشاملة المشتركة، كانت على وشك شراء مئات الطائرات الغربية الصنع».

وختم بالقول: «لماذا تعرّض إيران الاتفاق النووي وفوائده الاقتصادية للخطر؟ لأنه يمكنها ذلك، ولأنها تلاعبت بواشنطن بشكل صحيح في الماضي، وتعلمت أن الولايات المتحدة لن ترد».

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي