تعيش الكويت تهديداً خطيراً لكيانها ووجودها، لعله أخطر من الاحتلال العراقي، لكونه نتاج تأثير وفعل محلي وخارجي، فالمؤشرات تفصح عن أننا نخوض في بركة مخطط شيطاني، لم نخبر مثلها من قبل، وأننا نتسابق على إغراق بعضنا البعض، لا على إنقاذ الوطن.
صراع محموم يجتاح البلاد، ابتدعه ويمارسه بعض من ينتمون إلى المعارضة، ضد البرلمان والحكومة ممثلين برئيسيهما على الجانب الآخر، وبمسوغات وادعاءات لا تعدو أن تكون حججاً مفتعلة لإزالة الخصم عن المشهد، في مخالفة للقيم الديموقراطية والحق في حرية الرأي والمعتقد، واحترام القيم والأخلاق والإنسانية، فكل يريد الاستئثار بالوطن على حساب الوطن، وهذا ليس في واقعه إلا انقلاب على الدستور، وتهديد للنظام الديموقراطي واستقلال الدولة.
كل طرف متمسك بموقفه وأهدافه - المعلنة وغير المعلنة - ويدعي أنه يملك الحقيقة وأنه على صواب، والقيادة السياسية الرشيدة متمسكة بالدستور والديموقراطية، ولكن إلى متى ستظل قابضة على الجمر؟ فالوضع بالنسبة للناس والمراقبين ربما يصل قريباً إلى المفاضلة بين الانهيار وفشل الدولة، أو تجميد الديموقراطية، بينما أوضاع الاقليم والمنطقة والمتغيرات المصاحبة للانسحاب الأميركي منها، مع كل ما يحمله ذلك من تأثيرات متوقعة تستدعي اليقظة والحذر.
الحكومة على الجانب الآخر عاجزة عن طرح مشاريع قومية كبرى، تنعش الاقتصاد، وتنقذ البلاد من ترديها على مؤشرات التنمية والقياس الدولية، وتحسن البيئة وتعدل التركيبة السكانية، وتبعث الثقة والأمل فيها، وإعلامها عاجز عن إدارة المشهد لصالحها رغم مئات الملايين في ميزانيته، والرأي العام منقسم على نفسه إلى غالبية ساخطة وأقلية مؤيدة للمعارضة، وهي أكثر حماسة وتنظيماً وسيطرة على وسائل التواصل الاجتماعي.
إن الأوضاع الإقليمية - بما فيها الانسحاب الأميركي من المنطقة جنوباً، والاتفاقية النووية الإيرانية الجديدة، وتقاطع مصالح الغرب وروسيا والصين بالمصالح الإيرانية - هو تهديد يتصاعد في غير صالح دول الخليج.
يبقى الأمل معقوداً - دون مبالغة بالتفاؤل - على مبادرة تتبناها النخب الفكرية والسياسية والمثقفون والكتاب والإعلاميون وقادة المجتمع، وجمعيات النفع العام، تقدّم من خلالها حلحلة للموقف، للتوصل إلى اتفاقية الحد الأدنى بين الخصوم وتجميد الخلاف وتحميل المصعّدين المسؤولية التاريخية أمام الأمة، وإقصائهم من المشهد، إن لم يعد ممكناً احتواؤهم، فالكويت أهم وأغلى.