رواق الفكر

ما قيمتك...؟

تصغير
تكبير

إنك إذا نظرت إلى الطبيعة وجمالها من حولك - سماء ونجوم وشروق شمس وغروبها والبحر وساحله الممتد الأخاذ وألوان الناس والاشجار والورود وكل ما حواه الكون - ولو تأملت هذا الجمال جيداً، وطبعت صورته في مخيلتك، فلن تكون فناناً ولا رساماً... لكنك إن نظرت إلى لوحة فنية، ترسم كل ما سبق، فستعرف الفن ومهارات التشكيل! وإنك لو درست فنون الشعر وحفظت أوزانها وبحورها وفهمت معاجم اللغة، فلن تكون شاعراً ولا خطيباً! لكنك إن قرأت دواوين الشعر، وحفظت منها وسمعت الشعراء ونظمهم، لربما كنت شاعراً نحريراً وخطيباً مفوّها ! هكذا نحن في هذه الدنيا بعجرها وبجرها؛ إذا لم نعش وسط ضجيجها فلن نفهم حيويتها وقيمتها... فما هي قيمتك!؟ في التعليم مثلاً؛ المهارات تكتسب بالتمرين والممارسة لا بقراءة مؤلفات جون ديوي وغاردنر وجونسون أو مارتن سليغمان وستيفن كوفي، أو ابن القيم والغزالي وعلماء التربية والسلوك وروادها البارعين! فالعلم بالتعلّم والتعليم وممارسة المهنة.

أن يخوض طلابنا التجربة ويقوموا بالمهنة ميدانياً ويتسلّحوا بالمعارف والمفاهيم، جنباً إلى جنب مع مهاراتهم وخبراتهم، فذلك هو المسار الحقيقي لتحسين أدائهم وتمكينهم في الواقع التعليمي.

في رأيي أن أعظم درس يمكن أن يكتسبه الفرد، يأتي من خلال الخطأ والتجربة... لكنه يأتي مقروناً بالحرية والقدرة على الاختيار، وليس بالجبر والإلزام والخنوع... لذلك يرى الدكتور كارل يونغ - العالم النفسي - أن أهم مرحلة، هي تلك التي ينصب اهتمام الفرد على نمو ذاته، وتقديرها من دون النظر إلى آراء الآخرين! ولمن وصل إلى سن الأربعين عاماً..!. في هذه المرحلة يعيش صاحبها في أزمة منتصف العمر. ويبدأ في التحرر من قيود مراحل العمر الأولى.

أغلالها من... آراء الآخرين... أحكامهم... انتقاداتهم... لأنك غالباً كنت تبحث عن رضى من حولك كي تكون مقبولاً! في الأربعين - قبلها أو بعدها بقليل - ستتحرك تساؤلاتك وتتعلم كيف تقود نفسك إلى ما تريد.

أنت تمدح أطفالك وتثني عليهم، لأنهم يسيرون وفق تعليماتك... وتعاقب من يخالفك أو يناقش أوامرك! نصفق لهم حين يحفظون النصوص ويرددون الآيات، ويحلّون مسائل الحساب... ونعيب على المتمردين منهم، حين يخفقون - في نظرنا - في القيام بكل ذلك.

بعد عقود من الزمن؛ وحين يعيد أطفالنا اكتشاف أنفسهم من جديد... يحاولون - وبصعوبة - التحرّر من قيود والديهم وأصدقائهم وأقاربهم، الذين كانوا يمدحونهم ويرضون عنهم... فلا يستطيعون! لقد كانوا أسرى؛ لإطرائهم ونظراتهم وإعجابهم... رغم عدم رضاهم الشخصي والوظيفي والسلوكي! ينشأ الصراع في البحث عن الحرية والاستقلالية والانطلاق... والتمرد والتفرّد والموهبة من جديد..! ويشاهد أصدقاء الطفولة أن المتمردين أصبحوا قادة، وتحولوا إلى ناجحين... أطفال الأمس - الذين عوقبوا على تمردهم ومخالفتهم لتعليمات الأسرة أو المدرسة - نجحوا اليوم في التجارة والرياضة والسياسة والمجتمع... بالتأكيد حتى لا يعترض أحد؛ هذه النظرية ليست على إطلاقها... لكنني أعتقد أن لها شواهد كثيرة حولنا.

المهم؛ لا تخدع نفسك في النظر إلى الكون والطبيعة، من دون تعليم وتدريب واعيين... فلن تصبح فناناً إلا بإرادتك... ولن تكون شاعراً من دون إرادتك ورغبتك... فكل العباقرة والعلماء والأدباء والشعراء، كان لهم تفرّد وتميز وعصيان لقواعد الآخرين... فكانت موهبتهم وإبداعاتهم! لا تقبل أي تعليمات وأوامر من دون بحث ومعرفة... لأنك لو تلقيتها بوعاً واقتناعاً، كانت رافداً لك للعمل والنجاح.

ولتكن اسئلتك صحيحة عن وعي، وليست جدلية متكلفة لا قيمة لها.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي