إذا راحت البركة

تصغير
تكبير

أمورنا - في الكويت- ماشية!، نعم ماشية رغم كل شيء، ومن دون حسن تدبير غالباً والسبب هو البركة... نعم... إذا خططنا وأحسنا التدبير وكانت البركة موجودة فـ... خير على خير... وستكون النتائج فوق توقعاتنا الإيجابية بكثير.

ولكن إذا زالت البركة عنا، فمهما دبّرنا وخطّطنا لن يحالفنا التوفيق، فالتوفيق ليس رديف الاجتهاد وحده دوماً، فما أكثر المجتهدين، وليس لكل مجتهد نصيب دوماً.

عندي مثل هذه القناعة منذ زمن بعيد، وتحديداً منذ عادت الكويت إلى أهلها، وعاد أهلها أعزةً بعدما ابتلعَ الغازي بلدهم بالكامل، وانقلب عليهم حتى أصحابهم وأحباؤهم أتباع حزب «دول الضد» ظانين أن ليس في التاريخ كله بلد ابتلع كاملاً وعاد وكأن شيئاً لم يكن... فهل ستكون الكويت هي الاستثناء؟... هكذا ظنوا وخيّب الله ظنونهم وحلّت البركة علينا وعلى بلادنا.

في يوم من الأيام، أحد الأصدقاء كان يدير شركته باحتراف جيد، ولكن أرباح شركته كانت كبيرة، بل كبيرة جداً جداً، أكبر من اجتهاده وتفوق أرباحه بكثير ما كان يخطط له وينتظره! سبحان الله، رب العزة إذا وهب فلا تسألنّ عن السبب، لقد كانت البركة تخيّم على المكان، وكان يجني ثمار هذه البركة.

موظف سابق «غير كويتي» كان يعمل في شركته، اختلف مع مديره فاستقال للخلاص وطمعاً في فرق الراتب المعروض عليه في شركة أخرى، وبعد سنوات قليلة أصيب الموظف المستقيل بسرطان في الدماغ، واستنزف علاجه في الخارج كل مدخراته، عاد إلى الكويت بدماغ نصف واعٍ وبجسد نصف حي، مجرد حطام رجل كان في يوم من الأيام شعلة من النشاط واليوم يبيع سيارته وأثاثه ومقتنياته.

لقد عاد عاجزاً، وعاطلاً عن العمل، طُرِد من عمله الجديد، وهو مهدّد بالطرد من شقته، يعيش على حد الكفاف بفضل ما يجود به عليه أصدقاؤه القدامى تارة، وأهله متواضعو الحال تارة أخرى، حالته الصحية لم تتقدّم، وصار عبئاً ثقيلاً على والديه العاجزين أصلاً لأنهما بلغا من الكبر عِتياً.

علمتُ بما أصابه، فحدّثت صاحب الشركة عن ظروفه، قِبل وساطتي وأعاده إلى العمل ونقل إقامته على شركته مثلما كان يفعل مع آخرين ممن يجورُ عليهم الزمان.

بعد نحو عامين، اضطرب السوق قليلاً، واضطربت مداخيل شركة صديقنا، لم يبحث عن طريقة مبتكرة لرفع إيراداته، واستسلم لأفكار المحاسبين، وبدأ حملة تفنيشات تصدّر قائمتها ذلك المريض وآخرون اعتبرهم فجأة عالة عليه وعلى أرباحه المتناقصة... نصحته نصيحة تبدو للعمليين غير منطقية، قلت له احذر أن تزول بركة المكان، فإن زالت لن يفيدك اجتهادك وحده! لم يأبه بالطبع برأيي «غير العلمي»... ومضى قُدُماً في الطريق الذي ظنه درب تعزيز الأرباح المتراجعة.

سبحان الله، لم تمضِ بضعة شهور وإلا كانت البركة قد زالت عن المكان برمته، تصاعدت الصراعات في مؤسسته، وزادت الأخطاء، ووقعت خسائر سرعان ما تضاعفت بعدما كان يريد تقليل هامش التراجع في الأرباح... ولم تنته السنة إلا وكانت شركته وهو معها نسياً منسياً.

زبدة هذه القصة الحقيقية: المسنون الذين قضوا عشرات السنين في هذا البلد المعطاء (وعددهم ليس كبيراً) ربما يكونون من أسباب البركة، حب الخير الذي جُبِل عليه أهل الكويت ربما يكون من أسباب البركة، التسابق على غوث المحتاج ربما يكون من أسباب البركة... اللهمّ أدم البركة على هذا البلد واجعله آمناً مطمئناً.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي