محاولة تقييم الموقف السياسي الحالي المحتقن والمتفجّر في الكويت، تقتضي أولاً التأكد من مصداقية المزاعم والادعاءات المنسوبة لرئيسي البرلمان والحكومة، والتي تتمسك بها المعارضة مهددة استقرار البلاد وأمنها، ومعطلة عودتها إلى مرحلة الإنتاج والمنافسة على مؤشرات القياس الدولية. المجموعة الاحتجاجية التي تحاول قيادة المعارضة المفككة - للجوء قياداتها للخارج في منفى اختياري تتلافى به الأحكام الصادرة بحقها في القضية المسماة مجازاً بقضية اقتحام المجلس - سنُطلق عليها تسهيلاً الصف الثاني للمعارضة المبطلة، فقد سارع أقطابها إبان انتخابات الفصل التشريعي الـ 16 الأخيرة إلى إعلان مشروعهم المتمثل في إسقاط الرئيسين الحاليين الغانم، رئيس البرلمان، وصباح الخالد الصباح، سمو رئيس مجلس الوزراء، ناسبين إليهما تراجع البلاد السياسي والاقتصادي، وسوء إدارة الدولة والفساد من دون أن يبرزوا دليلاً واضحاً على صحة اتهاماتهم، واكتفوا بوصفهما بالمتسببين به كبرهان عليه! وشتان ما بين الاثنين فالتراجع حقيقة، وأسبابه متعددة أهمها تعطيل المجلس لعمل الحكومة، وفشل الحكومات المتراكم على مدى 22 عاماً منذ الغزو العراقي كأساس تاريخي لهذا التراجع، ولكن المتهم بريء.
فمجموعة الصف الثاني اقحمت نفسها في تحالفات بين النواب الجدد، سرعان ما تفككت لغياب المنطق الجامع بينها، فالعداء للرئيسين لا يمكن أن يكون سبباً كافياً لتدمير الدولة وإفشالها، والتجاوز على الدستور وصلاحيات سمو الأمير، وقواعد الفصل بين السلطات وإفشاء السرية بالتصوير الإلكتروني، في مخالفة للائحة الداخلية للبرلمان في ما عرف «بالبار كود»، جميعها محاولات إقصائية مُنيت بالفشل، ثم جاء قرار المحكمة الدستورية بإبطال عضوية أحد قادتهم فثار الجمع وسعوا - في تخطيط سياسي غير احترافي - لمنع الحكومة من أداء القسم الدستوري أمام البرلمان، وبالتالي سقوطها وتعطيل قرارالمحكمة الدستورية، إلّا أنهم ورغم الحشد غير المسبوق لم يوفّقوا إلى غايتهم.
يبقى السؤال الكبير معلّقاً هنا وهو: ما الذي يستحق أن تدمر الكويت من أجله، بخلاف أطماع البعض السياسية والشخصية، وسطحية وخطايا البعض من هواة السياسة؟
أمام النواب مهمّة تنويع مصادر دخل البلاد والتنمية الحقيقية الشاملة، والحدّ من التلوث البيئي وتحسين مركز البلاد على مؤشرات القياس الدولية خصوصاً في التعليم والصحة، ومواجهة الفساد بأنواعه، واستكمال دور القطاع الخاص في توظيف الكويتيين، وإصلاح الخلل في التركيبة السكانية والالتزام بالمهنية في معالجة الأزمة الاقتصادية، وتصحيح عجز الميزانية المتراكم، ألا تكفي بعض هذه الالتزامات لتجميد المقاطعة موقتاً، والتوقّف عن تهديد الدولة والعبث بحاضرها ومستقبلها.