تمتلئ موائدنا كل يوم بألذ أنواع الأطعمة والأشربة، ما تستحق منا الحمد والشكر لله رب العالمين. ولو خيرناك بين هذه المأكولات والملذات التي تتناولها صباح مساء على (سفرتك) العائلية، وما قبلها وبعدها من أصناف الفواكه والحلويات ومتع الطعام والشراب؛ وبين فضلات الأطعمة التي تقدم للفقراء أو من يعيشون على قارعة الطريق من العمال والبسطاء والمعدمين...! ترى من أي الصنفين تختار، أن يكون غذاؤك وطعامك؟ لا شك أنك ستختار الأطيب والأصلح لمعدتك ولعافيتك وبدنك، وأن يتغذى جسدك من طعام بيتك وشرابه.
فصحتك الجسدية وغذاؤك الطيب المفيد هو صمام أمان عافيتك والمحافظة عليها. والسؤال: هل نحن نتعامل مع الأغذية الفكرية والأطعمة العقلية كما نتعامل مع صحتنا البدنية سواء بسواء؟ للأسف الشديد؛ فنحن نتساهل عند تناول عقولنا للأفكار؛ فنسلمها لآفات الفكر وسمومه من الخواطر والواردات السلبية والمريضة وربما القاتلة! كثير من الناس يعيش عقله ويتغذى على الأفكار السلبية وبهارات الإشاعات والمبالغات فيها... فينمو فكره ويكبر على الأوهام وسوء الظنون والمغالطات، ويحيا رفيقاً لبؤس الحياة وشقاء العيش وتعاسة الحظ.
الخطورة أننا جميعا نفكر؛ ولا نملك إلا أن نفكر، وتقتحم عقولنا الأفكار... مكرهين وما باليد حيلة كما يقال؛ وكل فكرة تبحث عن اتجاه وطريق لتسلكه؛ ثم إن هذه الأفكار تتوالد فتتكاثر مع مثيلاتها من نوعها معه وفيه... فيمتلئ الطريق وتتزاحم مع الأفكار المتشابهة لها؛ وتتعاون في ما بينها في التوسع والتعمق... لتترسخ في ما بعد قناعات يصعب الفكاك منها.
إن كانت إيجابية أو سلبية! والعجيب حين نتدبّر حالنا أثناء التفكير؛ نجد لدى كل واحد منا أرشيفاً خاصاً مليئاً بالملفات... ملفات كلها صفحات يسطرها تاريخ حياتك ومواقفك وآراؤك وانطباعك وأحوالك ومشاعرك... سلبية كانت أوإيجابية.
هذا الأرشيف الخطير هو ما يغذي الفكرة حين تغزو عقلك... إذا كان من جنسها أو نوعها، ومشابها لها أو من صنفها... ولذلك حذّر مارتن سليجمان من الخاطرة... لأنها بداية كل سلوك.
من هنا؛ فالحرص على عقولنا وأفكارنا، يفترض أن يكون أشد أهمية من بطوننا وأجسادنا! لذلك نؤكد على أن الفكر يؤثر على الإحاسيس والمشاعر، بناء على ما يكون فيه من خواطر أو بيانات سلبية أو إيجابية... والفكر أيضاً يوثر على السلوك والصحة والطاقة المعنوية، من ثقة بالنفس وراحة بال وغير ذلك... لذلك العاقل هو من يستيقظ دوماً ويكون على استعداد مستمر لما قد يغزو عقله من أفكار مضرة وغير صحية، فمنذ الاستيقاظ من النوم إلى نهاية يومك، تكون قد استقبلت أكثر من 60 ألف فكرة...
80 في المئة منها للأسف الشديد سلبية! هذا طبعا بشكل عام لأغلب الناس، من ذوي النفوس الأمّارة بالسوء.
فالأفكار لا تعرف الوقت؛ وأنت لن تقف من التفكير... هذا يومك... وهو تاريخك ومصيرك؛ وعقلك لن يقف... فإياك أن تهمل قيادته! ونحن اليوم مع هذه السن وتوالي الأيام نتاج أفكار ترسّخت في أذهاننا من والدينا والمدرسة والأصدقاء والزملاء في العمل... وغير ذلك من وسائط الحياة والبيئة المحيطة بنا.
رؤوسنا مليئة بأفكار الخير والشر... الحسن والقبح... مليئة بالوهم والخوف والخطر بسبب الإشاعات، وكثرة التحديات وما تبثّه وسائل التواصل من أفكار سلبية... وهناك أفكار إيجابية، ممكن أن تحيا بها عقولنا إذا استقبلتها برحابة وارتياح... كالتفاؤل وحب العمل والإنجاز وتقدير الذات... فنحن وما نسلك اليوم إنما نتاج أفكار الأمس؛ وسلوكنا غدا نتاج أفكار اليوم.
ولن نستطيع أن نحسّن من واقعنا المحيط بنا إلا بتغيير سلوكنا، المرهون أصلاً بأفكارنا؛ ولن تتغير أفكارنا السلبية إلا بقدرتنا الداخلية النفسية على التغيير. «إنّ الله لا يغيّر ما بقومٍ حتى يغيّروا ما بأنفسهم».
*** اللهم انصر إخواننا في فلسطين، وكن معهم بعينك التي لا تنام وركنك الذي لا يضام؛ اللهم آمن روعهم واستر عورهم واحرس المسجد الأقصى، الذي باركت حوله إنك سميع مجيب.