الرأي اليوم
سيعودون إلى بيتهم... الكويت
«فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ»...
آية الخير والمحبّة خيرُ مُقدّمة للدعوة إلى إغلاق ملف طال انتظاره... مِلف العفو عن إخوتنا في تركيا الذين عانوا الأمرّين بعيداً عن أرضهم ووطنهم وأهلهم وأصحابهم.
منذ بدأ تحريك هذا الملف، والمتابعة قائمة بين مُوجبات التقدّم وهي كثيرة وأسباب التأخّر وهي قليلة، من دون الدّخول في النيّات أو السّجالات الدائرة حول المسؤوليّات ومن يقف خلفها... ومن يعيق ومن يسهّل.
اليوم، ونحن في أواخر العشر الأواخر من شهر الرّحمة والمغفرة، نستلهم كلّ يوم وكلّ ساعة مبادئ الدّين الإسلامي العظيم. مبادئ المحبّة والسّلم والتعاون والتآزر والعفو. هذه الرّسالة التي بنيت على الاعتدال وعلى أن التسامح قُوّة لصاحبه وعلى أن الحياة انتصار للقيم... وهل هناك أوقع من قيمة الحرية وفتح صفحات جديدة مكتوبة بضوء الشمس؟ «فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ».
قضية الموجودين في تركيا طالت وحان أوان إغلاقها. لن ندخل في التّسميات والتّعريفات المُتعلّقة بهم، بين من يعتبرهم هاربين أو مُهجّرين أو أبطالاً، بل نقول إن هؤلاء كويتيون أبناء هذه الأرض وعشاق هذا الوطن وهم محرومون من رؤية أهلهم وأسرهم وإخوتهم من أنسباء وأصحاب. المطلوب أن يعودوا إلى وطنهم ملاذهم الأوّل والأخير، إلى السّاحات التي عرفتهم وعرفوها، إلى الكلمة الطيّبة والنّصيحة الصّادقة والرّأي السّديد، إلى المشاركة البنّاءة في بناء مستقبل آمن واعد مُتطوّر.
وهنا، لا بدّ من كلام صادق ومباشر...
إلى إخوتنا في تركيا، كما يناشد المُحبّون والمُخلصون القيادة لطيّ الملف وتأمين عودة كريمة لكم، فإنّنا على يقين بأن غالبيّتكم عركتها التجربة وزادتها نضوجاً وإحساساً بالمسؤوليّة، وتشبّعت بالمراجعات لما حصل، وتكوّنت لديها رؤية أعمق للأوضاع والظّروف والمخاطر الداخليّة والخارجيّة التي تعيشها الكويت، وبالتالي سيعطي ذلك كلّه مسيرتكم قوّة دفع جديدة للكويت ومن أجلها.
وطيّ الصفحة أيضاً جزء من مسؤوليّاتكم، فالعمل السّياسي شدّ وجذب، خصومات ومهادنات، اتفاقات وتباينات، لكن البناء على المشتركات يجنّب السفن دائماً أعاصير الرحلة ويوصّلها بأمان إلى موانئها. لذلك فلا يجزع أحد من مواقف مُعيّنة في مرحلة كان صوت التصعيد من الجميع يعلو ولا يعلى عليه، ولا يجعل من التباينات السّابقة معياراً للتّعاطي المستقبلي، لأنّكم تدركون تماماً أنّه حتى لو تجمّعت كلّ الطاقات في الكويت فإن مُهمّة العبور إلى المستقبل صعبة جداً، وأنتم بإذن الله مع التجمّع لا التفرّق.
والرّسالة أيضاً إلى القيادة السياسيّة...
إخوتنا في تركيا هم أبناؤكم وأبناء هذه الأرض الطيّبة، لا يشكّك أحد لا في وطنيّتهم ولا في حرصهم على الكويت وأمنها واستقرارها. أنتم من تعوّدنا منكم دائماً التعامل الأبوي مع الجميع على قاعدة التوجيه للإصلاح، وأنتم من أرسى دعائم مدرسة سياسيّة على قاعدة «لا غالب ولا مغلوب» لأن «الله غالب»، وأنتم من تحوّلت الكويت بفضل رؤيتكم وحكمتكم إلى واحة دستورية ديموقراطية تتّسع للجميع وتستفيد من الجميع، وكانت محبّة الكويتيّين لكم والتّفافهم حولكم وحول شرعيّتكم هي العامل الرئيسي والأساسي في تجاوز أعظم المحن التي مرّت على الكويت وأهمها مرحلة الغزو.
من اتّسع صدره للكثير من التّسويات المُعقّدة عربياً وإقليمياً فسيتّسع صدره أكثر لأهل بيته. لن تجدوا أبناء مُخلصين مثل الكويتيّين ولن يجد الكويتيّون آباء مُحبّين يفتحون قلوبهم وعقولهم قبل أبوابهم مثلكم. ولذلك فالجميع يتطلّع ويتمنّى أن يتم تحقيق هدف العودة حسب الأصول والأعراف التي وضعتموها وكُلّنا على ثقة بأن المُرونة التي جُبلتم عليها كفيلة بتبديد أيّ عقبات في الصّيغ المقترحة... وأنّ تبديد أيّ عقبة أهون إنسانياً ووطنياً من تعثُّر الملف برمته.
إخوتنا في تركيا لا يطعنون بالقضاء النزيه، فهو حِصن الكويت وحامي المُؤسّسات، وهم يميّزون تماماً بين الإمكانات الواقعيّة المتاحة للعودة وبين المزايدات التي اتّضح أن من أهدافها في ما يبدو عرقلة العودة، ولذلك فهُم عندما يعتبرون المقام السامي بمقام الوالد فإنّهم يعنون هذا الاعتبار ويُؤمنون به وقد ورثوه عن آبائهم وسيُورّثونه لأبنائهم... ولن يضير الابن الاعتذار من والده بأيّ صيغة أو مقام.
عودة إلى العشر الأواخر، إلى النّور السّاطع من الخشوع، إلى الدّعاء المُستجاب، إلى نهايات الصّبر الموعودة...«فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا». صدق الله العظيم.