اعتراف بايدن بـ «إبادة الأرمن» يسرّع تقرّب أردوغان من إسرائيل
في خطوة تفادها كل أسلافه، أعلن الرئيس جو بايدن أن الولايات المتحدة تعترف بأن تركيا ارتكبت مجازر إبادة بحق الأرمن إبان الحرب العالمية الأولى.
وقال في بيان صادر عن البيت الأبيض، إن «في هذا اليوم من كل عام، نتذكر أرواح جميع الذين ماتوا في الإبادة الجماعية للأرمن في العهد العثماني، ونجدد التزامنا بمنع حدوث مثل هذه الفظائع مرة أخرى».
وأضاف البيان أنه «من بين الذين نجوا، أجبر معظمهم على العثور على أوطان جديدة وحياة جديدة في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك في الولايات المتحدة... ونجا الشعب الأرمني، وأعاد بناء مجتمعه».
وتابع أنه «على مدى عقود، ساهم المهاجرون الأرمن في الولايات المتحدة بطرق لا حصر لها، لكنهم لم ينسوا أبدا التاريخ المأسوي الذي دفع الكثير من أسلافهم إلى شواطئنا».
وختم البيان: «نحن نكرم قصتهم، ونرى هذا الألم... ولا نفعل ذلك لإلقاء اللوم، ولكن لضمان عدم تكرار ما حدث».
في سياق متصل، لم يفت المراقبون المعنيون بالسياسة الخارجية في واشنطن أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يعكف على تحسين العلاقات مع إسرائيل، في محاولة منه لتخفيف غضب بايدن عليه، وهو غضب تجلى في تحول الأخير إلى أول رئيس أميركي يعترف بالمجازر التركية بحق الأرمن قبل 106 أعوام.
وفي سياق تعزيز العلاقة مع إسرائيل، وجه وزير الخارجية التركي مولود جاويش اوغلو دعوة لوزير الطاقة الإسرائيلي يوفال ستاينيتز للمشاركة في مؤتمر حول الطاقة تستضيفه أنقرة، وهي الدعوة الأولى من نوعها منذ ثلاث سنوات على الأقل.
يعاني أردوغان من سلسلة من المشاكل، أبرزها اقتصادية، مع مواصلة الليرة التركية انحدارها الكبير أمام العملات الأجنبية، وهو انحدار يبدو أنه أجبره على تغيير سياساته الإقليمية والخارجية الماضية، ومحاولة ترميم العلاقات مع دول الجوار والعالم.
لكن ترميم علاقة تركيا وواشنطن صارت أصعب مما يدركه الرئيس التركي.
ويقول الباحث في«معهد أميريكان انتربرايز» مايكل روبن إن «الديبلوماسيين الأتراك وأصدقاء أنقرة في واشنطن دأبوا تقليدياً على الضغط على الإدارات الأميركية المتعاقبة لمنع اعتراف الولايات المتحدة بالإبادة الجماعية» بحق الأرمن، «إلا أن 18 عاماً من حكم أردوغان غيّرت الأجواء في واشنطن بتحويل الديبلوماسيين الأتراك إلى ناشطين غير فعالين، بمن فيهم السفير الحالي مراد ميركان»، الذين يعاني من عزلة، و«لا يمكنه عقد لقاءات إلا مع أكثر المدافعين عن سلوك أردوغان، من دون القدرة على الاستعانة بقوة المعارضة» التركية في العاصمة الأميركية.
وأضاف روبن أن أردوغان «قام بتطهير العديد من مجموعات الضغط التركية الأميركية بحيث صارت تعكس آراء الدائرة الداخلية المقربة منه حصراً، بدلا من أن تقدّم آراء الطيف السياسي والفكري الأوسع في تركيا».
باختصار، يتابع روبن، «يمكن لتركيا الضغط، ولكن نفر قليل من أصحاب القرار سيجيبون مكالمات ميركان الهاتفية، ناهيك عن مكالمات وزير الخارجية» أوغلو.
وأشار الباحث الأميركي إلى أنه باستثناء تسريب أسرار «تحالف الأطلسي» إلى روسيا، ليس بيد أنقرة الكثير لتفعله للضغط على أميركا، التي قامت فعليا بنقل مركز بحريتها من تركيا إلى اليونان.
وقال إنه إن لم تكن واشنطن سحبت ترسانتها النووية من قاعدة انجرليك الجوية، «ان كان لأميركا أسلحة نووية هناك، فيجب عليها اليوم سحب هذه الأسلحة». بكلام آخر، يدعو روبن، ومعه مسؤولون وخبراء أميركيون كثر من الحزبين الديموقراطي والجمهوري على رأسهم بايدن وإدارته، إلى الابتعاد عن تركيا وتركها لمصيرها.
ويستند مؤيدو إنهاء سنوات التحالف مع تركيا إلى سلسلة من التصرفات التي قام بها أردوغان وجعلت سياسة تركيا الخارجية تقتصر عليه كحاكم أوحد، كما قام بعدد من الخطوات التي آذت الولايات المتحدة بحلفائها بشكل دفع الأميركيين وحلفائهم إلى حمل الضغينة ضده، وهي ضغينة وقف في وجهها الرئيس السابق دونالد ترامب منفرداً، إذ إنه كان يستفيد من عائدات برجين يحملان اسمه في إسطنبول، وكانت العائدات تقدر بالملايين.
لكن بعد خروج ترامب من البيت الأبيض، لم ينس الأميركيون أن أردوغان، الذي يعاني اقتصاده من نفاذ العملات الأجنبية، أنفق ملياري دولار على شراء المنظومة الروسية للدفاع الجوي «أس 400»، وهو ما دفع القيادة العسكرية الأميركية الى طرد أنقرة من برنامج تصنيع واقتناء 100 مقاتلة من طراز «أف - 35» الأميركية الأكثر تطوراً.
ثم إن الإسرائيليين، حلفاء الولايات المتحدة، لم ينسوا بعد أنه في العام 2012، قام الرئيس التركي بإفشاء أسرار شبكة جاسوسية تابعة للإسرائيليين داخل إيران، كانت تعمل على جمع استخبارات حول البرنامج النووي وشن عمليات تخريب ضد هذا البرنامج.
ولم ينس حلفاء الولايات المتحدة، العرب، مواقف أردوغان ضدهم، في سلسلة من الأحداث والأزمات التي عصفت بالمنطقة على مدى العقد الماضي.
لكل هذه الأسباب، يقف أردوغان وحيداً ومعزولاً، في الإقليم وداخل واشنطن، وهو ما دفعه لبدء عملية التقارب مع اسرائيل وإعادة تنشيط علاقات أنقرة معها، اعتقاداً منه أن هذا النوع من السياسة قد يكون بمثابة مفتاح عودته الى التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة.
لهذه الأسباب، وجد بايدن تصعيد خطابه السياسي في تركيا فرصة سياسية مفتوحة مجاناً أمامه، وهي فرصة يجمع عليها كل أصدقائه وخصومه، داخل واشنطن وخارجها.
أما كيف ستكون ردة الفعل التركية بعد إعلان بايدن اعتراف الولايات المتحدة رسمياً بالمجازر ضد الأرمن، يقول روبن إنه «عندما اعترفت فرنسا وإيطاليا رسميا بالإبادة الجماعية للأرمن قبل عامين، أدانت تركيا كليهما».
لكن ورغم أن هذا الحدث قد يكون شجع على الخلاف اللاحق بين أردوغان ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، إلا أنه في نهاية المطاف لم يلحق بباريس سوى القليل من الضرر، على شكل مقاطعات رمزية وتظاهرات معادية لفرنسا.
وختم روبن مؤكداً: «نتوقع الشيء نفسه الآن تجاه للولايات المتحدة».