مصادر واشنطن: لا صفة قانونية لحكومات العالم لمكافحة الفساد في لبنان
في رد على سلسلة من الإشاعات التي تناقلها اللبنانيون ووسائل إعلام عالمية على مدى الأسابيع الماضية حول تحرك جهات دولية لمكافحة الفساد في لبنان، قالت مصادر أميركية إن «لا صفة قانونية لحكومات العالم لمكافحة الفساد في لبنان أو ملاحقة المسؤولين فيه، وأن الجهة الوحيدة المخولة مكافحة الفساد اللبناني هي السلطة القضائية في لبنان».
ونشرت وكالة «رويترز» نقلاً عن جمعية بريطانية غير حكومية أنها أعدت تقريراً يُثبت فساد مسؤولين لبنانيين، بمن فيهم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وأنها قامت بتقديم التقرير إلى الشرطة البريطانية، التي قامت بدورها بتحويله إلى «وكالة الجريمة الوطنية» المنوط بها مكافحة تبييض الأموال. لكن سلطة هذه الوكالة الحكومية البريطانية تقتصر على الأموال غير الشرعية التي يتم تحويلها من أو إلى بريطانيا.
وتورد «وكالة الجريمة الوطنية» البريطانية على موقعها على الإنترنت أن «تبييض كميات كبيرة من الأموال غير المشروعة يهدد الأمن القومي للمملكة المتحدة، وازدهارها الوطني، وسمعتها الدولية». وتضيف أن مهمتها هي مكافحة تبييض الأموال غير المشروعة، خصوصاً الناتجة عن نشاطات إجرامية داخل بريطانيا وخارجها. لكن عبارة «خارجها» لا تعني عمليات التبييض غير التي «تبدأ في بريطانيا، أو تنتهي فيها، أو تمر عبرها».
مثلاً، إن قام شخص بتبييض مبلغ مالي في باريس، عبر مصرف فرنسي، وحول المبلغ إلى ألمانيا، لا تلاحق «وكالة الجريمة الوطنية» البريطانية هذه الجريمة المالية لاعتبار أن لا صفة قانونية لها للقيام بذلك.
وفي السياق نفسه، لو قام مسؤول حكومي لبناني بتبييض أموال وتحويلها إلى جزر كايمن، لا تتحرك الهيئات الرقابية البريطانية، أو أي هيئات أوروبية أو دولية، لمكافحة هذه الجريمة، باستثناء إن تم استخدام الأموال في ما بعد في نشاطات مالية مع هيئات مالية بريطانية أو أوروبية.
ومثل بريطانيا، كذلك في الولايات المتحدة، حيث تقتصر سلطة المحاكم على النظر في جرائم تبييض الأموال التي ترتبط بالقطاع المالي الأميركي بأي شكل من الأشكال. وتنص المادة 18 من قانون العام 1956 أنه «عندما يتم نقل أي أموال نقدية أو نقلها أو تحويلها دولياً، بقصد إخفاء عائدات نشاط غير قانوني محدد... يجب على المدعي العام إثبات أن المُدعى عليه كان يعلم أن الأداة المالية أو الأموال تمثل عائدات شكل من أشكال النشاط غير القانوني».
على أن المادة نفسها من القانون الأميركي تنص على أنه «يجب أن تعبر الأموال الحدود الأميركية، بما في ذلك الحوالات، سواء الصادرة في الولايات المتحدة أو المنتهية بها»، وهو ما يشمل «جميع وسائل نقل الأموال أو الأدوات النقدية، بما في ذلك التحويلات المالية البرقية أو الإلكترونية، وتحويل العملة والشيكات والحوالات المالية والأوراق المالية لحاملها والأدوات القابلة للتداول».
بكلام آخر، إن لم تشارك مؤسسات أميركية في أي مرحلة من جريمة تبييض الأموال، تعتبر المحاكم الأميركية أن لا صلاحية لها للنظر بها، وهو ما يعيدنا للمثل اللبناني، حيث يمكن لأي شخص تحويل مبالغ مالية حصل عليها بأعمال غير مشروعة إلى مصارف جزر كايمن، حيث المصرفية السرية شبه مطلقة، من دون أن يرتّب ذلك على من قام بتحويل الأموال أي عواقب قانونية أمام القضاء الأميركي.
ولكن في القانون الأميركي استثناء، وهو المعروف بقانون ماغنيتسكي.
وقانون ماغنيتسكي هذا صدر لمحاسبة مسؤولين روس بسبب قيام موسكو باعتقال وتعذيب المحامي سيرغي ماغنيتسكي لمنعه من إفشاء أسرار تورطهم في عمليات تبييض أموال. وبعدما قضى ماغنيتسكي تحت التعذيب في السجن، قام شريكه الأميركي بتحريك الكونغرس لمحاسبة جريمة مقتله، فكان القانون الأميركي الذي فرض عقوبات على المسؤولين الروس المتورطين بموت ماغنيتسكي. وعللت واشنطن العقوبات باعتبارها أن الروس الذين عاقبتهم تورطوا في تجاوز حقوق الإنسان لحماية فسادهم، لذا لا بد من مكافحة عائدات هذا الفساد.
هذا يعني أن واشنطن تفهم قانون ماغنيتسكي لا كقانون لمكافحة تبييض الأموال عبر العالم، بل لمكافحة تبييض الأموال الذي يرتكبه مسؤولون ثبت تورطهم في جرائم سياسية، إن ضد حقوق الإنسان أو في التعامل مع تنظيمات إرهابية. على هذا القياس، توصلت وزارات الخارجية والعدل والدفاع والخزانة إلى أن وزير الخارجية اللبناني السابق جبران باسيل، صهر رئيس جمهورية لبنان ميشال عون، قام بالتحالف مع «حزب الله»، الذي تصنفه واشنطن تنظيماً إرهابياً، للإثراء من هذا التحالف عبر عمليات فساد مارسه باستغلاله نفوذه في دولة لبنان. ولولا التحالف مع تنظيم إرهابي لتبييض أموال فساد، لما تحركت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب لفرض عقوبات على باسيل بموجب قانون ماغنيتسكي.
تقول مصادر في العاصمة الأميركية شاركت في إدراج باسيل على لائحة المسؤولين الأجانب المعاقبين بموجب قانون ماغنيتسكي إن استخدام هذا القانون يشترط قيام المتهم بنوعين من الجرائم: فساد وتجاوز حقوق إنسان، بما في ذلك الإفادة من تنظيمات إرهابية. لكن من دون تجاوز حقوق الإنسان أو الإفادة من تنظيمات إرهابية، لا تتحرك واشنطن لإدراج مسؤولين متورطين في قضايا فساد أو تبييض أموال على لائحة المعاقبين بقانون ماغنيتسكي.
وتتابع المصادر الأميركية أن للولايات المتحدة حكومات حليفة حول العالم، وأن من شبه المؤكد أن في معظم هذه الحكومات مسؤولين فاسدين، «لكن واشنطن ليست شرطي العالم الذي يكافح الفاسد أينما وجده، باستثناء في حال وصول عمليات تبييض الأموال إلى المؤسسات الأميركية، وهو ما يتطلب تحرك وزارة العدل لمكافحته، ولكن أمام المحاكم الأميركية وبموجب القوانين المحلية، لا القوانين العابرة للحدود مثل ماغنيتسكي». وتضيف المصادر أن إثبات فساد تم ارتكابه في دول أجنبية أمام محاكم أميركية يتطلب تعاوناً بين السلطات القضائية الأميركية والمحاكم المحلية في الدول التي جرت فيها جرائم فساد أو تبييض أموال، إذ لا قدرة للمحققين الأميركيين والمدعين العامين على التحقيق خارج الأراضي الأميركية، وهو ما يجعل محاسبة من ارتكبوا فساداً في دول غير أميركا مهمة المحاكم المحلية، ثم يمكن أن تطلب السلطات الأجنبية من السلطات الأميركية تعاوناً، مثلاً تسليم متهمين، أو تسليم بيانات، أو حتى محاكمة مشتركة في البلدين. «لكن من دون تورط الفاسدين في نشاطات تهدد الأمن القومي الأميركي، مثل تجاوزات حقوق إنسان أو إرهاب، لا صلاحية أميركية لمحاسبة أي مسؤولين فاسدين، إن (كانوا) لبنانيين أو فرنسيين أو غيرهم»، تختم المصادر الأميركية القول، مشيرة إلى أنها تعتقد أن هذا هو الإطار القانوني الذي يحكم علاقات الدول، ولا يمكن لأي حكومات أوروبية أو غيرها محاسبة فاسدين لا يرتبط فسادهم بمواطنيها أو بمؤسساتها المالية.