مبادرة السلام السعودية في اليمن تُفاقِم من أزمة «أصدقاء إيران»

آليات عسكرية تابعة الجيش اليمني
آليات عسكرية تابعة الجيش اليمني
تصغير
تكبير

- طهران فشلت في فصل الكتلتين الأميركية والأوروبية
- أميركا في عهد ترامب وغيره... تعزِل ولا تُعزل

فاقمت المبادرة التي أعلنتها السعودية للتوصل الى سلام في اليمن، من أزمة «أصدقاء إيران» في العاصمة الأميركية، اذ ساهمت في انتشار عناوين إخبارية عبر الإعلام الأميركي أظهرت المملكة في موقف الساعية إلى السلام في وجه معارضة إيرانية وحوثية، وهو عكس ما دأب اللوبي الإيراني على تصويره - على مدى أعوام - لاقناع حملة جو بايدن الانتخابية، ولاحقاً إدارته الرئاسية، بأن سبب الحرب هو الرياض لا طهران.

وزاد في الطين بلة، لأصدقاء إيران، أن المبادرة السعودية لاقت ترحيباً دولياً وأميركياً واسعاً، بما في ذلك من الأمم المتحدة، وهو ما وضع الإيرانيين في موقف ديبلوماسي صعب.

وكانت الرياض أعلنت موافقتها على وقف اطلاق نار شامل، وعلى فتح مطار صنعاء ومرفأ الحديدة بشكل محدود لزيادة المساعدات الإنسانية وكبادرة حسن نية وبناء ثقة بين كل الأطراف.

لكن ردود الفعل الأولية من الحوثيين جاء فيها تمسكهم بما أسموه «حق» فتح المرافئ الجوية والبحرية، بغض النظر عن التوصل الى تسوية من عدمها.

ويأتي الاحراج اليمني لـ«أصدقاء إيران» الأميركيين، كإضافة على الاحراج الذي تتسبب به طهران نفسها لأصدقائها في العاصمة الأميركية، فهؤلا دأبوا على تصوير سهولة العودة للاتفاقية النووية بمجرد خروج الرئيس السابق دونالد ترامب من الحكم و إعلان واشنطن نيتها العودة الى ما قبل الانسحاب من الاتفاقية في العام 2018، وهو ما حصل.

لكن يبدو أن لطهران رأياً آخر مفاده التمسك بأقصى المطالب، واجبار واشنطن على التراجع أولا، حتى لو تطلب ذلك تصعيداً عسكرياً.

وتعزو المصادر الأميركية سبب التباين بين مواقف طهران وتصريحات اللوبي الموالي لها في واشنطن، الى أن علاقة اللوبي هي بالحكومة، خصوصا وزير الخارجية محمد جواد ظريف، فيما القرار الفعلي، هو في أيدي المرشد الأعلى علي خامنئي و«الحرس الثوري».

واتفاقية فيينا عام 2015 من صناعة ظريف وحكومته، الذي كان يأمل أن تؤدي لانفراج في العلاقات الإيرانية مع الولايات المتحدة والعالم.

لكن خامنئي وافق على مضض، تقول المصادر الأميركية، و«أخذ يتربص فرصة الانقضاض على للتخلص منها»، وهي فرصة قدمها له ترامب في اعلان الانسحاب، الذي استخدمه خامنئي ليشير الى صحة توقعاته، التي كان سبق أن أعلن فيها أن «لا أمان للأميركيين»، وأن «على إيران معالجة تدهورها الاقتصادي ذاتيا بغض النظر عن العقوبات الأميركية من عدمها».

ولإقامة مناعة في وجه العقوبات، عمد خامنئي أولاً الى حض الإيرانيين وحلفائهم في المنطقة، على تبني ما أسماه «اقتصاد المقاومة»، الذي يقضي بإقامة وحدة اقتصادية مكتفية ذاتيا بين إيران وحلفائها وأصدقائها.

لكن هذا النموذج بدا قاصراً عن تحقيق النتائج المرجوة، اذ ذاك اعتقد المرشد أنه يمكن لطهران أن تنخرط في اقتصاد عالمي من دون الولايات المتحدة، ما يجعل العقوبات من دون فائدة.

هكذا عندما عقدت إيران وإدارة ترامب مفاوضات غير مباشرة عن طريق الأوروبيين، رفضت طهران أي تعديلات على الاتفاقية النووية.

ويقول الخبراء الأميركيون، من أمثال الباحث في معهد الشرق الأوسط اليكس فاتانكا، إن خامنئي يعتقد أن بإمكانه عزل الأوروبيين عن الأميركيين، ثم بمساعدة الروس والصينين، يمكن لإيران أن تقود تحالفاً يعزل أميركا ديبلوماسياً واقتصادياً. لكن الواقع أن أميركا، صاحبة أكبر اقتصاد في العالم، هي التي يمكنها عزل التحالف الدولي الذي كان خامنئي يسعى لبنائه، بدلاً من أن تعاني هي من العزلة.

حتى في زمن ترامب، الذي أبعد واشنطن عن حلفائها الأوروبيين، لم يكن بإمكان الأوروبيين فعل الكثير لمساعدة إيران غير انتظار انقضاء رئاسة الرئيس السابق.

أما بايدن، فقد قام بإعادة اللحمة والتقارب مع الأوروبيين، وهو ما جعل قدرة طهران على فصل الكتلتين شبه مستحيلة. ثم مع موافقة واشنطن على الحوار النووي ورفض طهران، ومع موافقة الرياض على سلام اليمن ورفض طهران كذلك، اقترب الأوروبيون أكثر من الولايات المتحدة، وصارت طهران هي المعزولة اقتصادياً، وديبلوماسياً.

ويبدو أن خامنئي مازال يعتقد أن بإمكان إيران مواجهة العقوبات وانتزاع تراجع أميركا تحت ضغط زيادة نسبة وكمية اليورانيوم المخصب، وبالتزامن مع تصعيد عسكري في المنطقة.

مع ذلك، لا تبدو واشنطن خائفة من التهديدات، رغم محاولة اللوبي الإيراني تضخيم هذه التهديدات.

وأمام الواقع المعقد الذي يواجه «أصدقاء إيران»، شن هؤلاء حملة علاقات عامة، بما في ذلك إقامتهم ندوات حول الاتفاقية النووية، الأرجح لتحذير الأميركيين من مغبة عدم عودة كل من واشنطن وطهران إليها.

لكن الرأي العام الأميركي بدأ ينقلب على «اللوبي»، اذ صارت غالبية المتابعين الأميركيين ترى أن بايدن متساهل ومستعد للعودة للاتفاقية، وأن إيران هي سبب العرقلة، وهو ما يحملها مسؤولية أي تصعيد أو مواجهات.

ظريف كان حاول تزيين موقف خامنئي تارة بتخفيف حدته وجديته، وطوراً بتبنيه الموقف المتطرف مع ربطه بمخارج ديبلوماسية ممكنة.

إلا أنه في الأشهر القليلة المتبقية من حكم الرئيس حسن روحاني، صار يبدو أن قيمة تصريحات ظريف، انخفضت، في وقت يكاد يجمع متابعو الشأن الإيراني على أن حكومة من المتطرفين ستخلف الحالية، وأن التصعيد مع أميركا والعالم سيكون سيد الموقف.

ومثل ظريف، حاول اللوبي الإيراني في واشنطن استخدام أساليب الترهيب والترغيب الممكنة، لكن ادارة بايدن تبدو واضحة في موقفها، ومتمسكة به، وحائزة على تأييد له من كل حلفائها، الأوروبيين وغير الأوروبيين.

هكذا، في وقت ثار ذعر كثيرين من التساهل مع النظام الإيراني، والذي كان من المتوقع أن يسود مع وصول بايدن الى الرئاسة، أصبح الذعر غير مبرر، اذ ان العمل بالاتفاقية النووية متعذر، لا بسبب انسحاب ترامب منها فحسب، بل بسبب معارضة خامنئي لها منذ اليوم الأول لتوقيعها، ومحاولته القضاء عليها الى أن تمت له الفرصة لعدم العودة إليها مرة ثانية، وهو يبدو الموقف السائد اليوم، رغم حسرة «أصدقاء إيران» الأميركيين.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي