تساؤلات في واشنطن حول كيفية وقف الانهيار اللبناني... لتفادي الكارثة!
- يعقوبيان: الأزمة ستؤدي إلى موجات نزوح
- أبي ناصيف: لواشنطن مصلحة في أن يتعافى لبنان
- نرغوزيان: لبنان يبدو وكأنه «دخل المجهول» من حيث العلاقات المدنية
- العسكرية
دأبت مراكز الأبحاث الأميركية على تقديم دراسات وافية حول ملفات متنوعة - بما في ذلك حول السياسة الخارجية - وذلك في محاولة منها لتقديم النصائح لإدارة الرئيس جو بايدن، في أشهرها الأولى، والتأثير في وجهة نظر الإدارة تجاه عدد من الملفات الخارجية، بما في ذلك المتعلقة بالشرق الأوسط ومنها لبنان.
ولا يحظى لبنان بأهمية إستراتيجية في عيون الإدارات الأميركية المتعاقبة، باستثناء بين «المحافظين الجدد» الذين كانوا يعملون على «نشر الديموقراطية»، ورأوا فرصة سانحة في لبنان في العام 2005.
لكن فشل الديموقراطية في العراق، ومثلها في لبنان، أقنع الرئيس السابق جورج بوش الابن باستحالة التغيير في العالم بالاستناد الى القوة العسكرية الأميركية، فاستعاض عن «نشر الديموقراطية» و«المحافظين الجدد» بسياسة واقعية أدارتها وزيرته للخارجية كوندوليزا رايس، التي أنهت عزلة الرئيس السوري بشار الأسد بدعوته إلى مؤتمر انابوليس للسلام في صيف 2007، ووافقت على دخول معارضي «حزب الله» في لبنان بتسوية معه، وفي حكومة وحدة وطنية، فكانت اتفاقية الدوحة في صيف 2008.
منذ ذلك التاريخ والاهتمام الأميركي بلبنان شبه معدوم، باستثناء رغبة في عدم تحوله إلى «دولة فاشلة» تصدر الإرهاب واللاجئين إلى أصقاع العالم. حتى أمن الحدود الشمالية لإسرائيل، صار في واشنطن إجماعاً بأن الدولة العبرية قادرة وحدها على التعامل مع الخطر الذي يشكله الحزب عليها، وأنها ليست بحاجة لمساعدة أميركا.
ومع تقلّص الاهتمام الدولي والإقليمي، صارت ندوات مراكز الأبحاث المخصصة للبنان في واشنطن بالكاد تنعقد، وباتت الدراسات حول الوضع اللبناني شحيحة، ولا تحوز اهتماماً يذكر في أوساط العاصمة الأميركية لدى صدورها. لكن نفر من الباحثين الأميركيين ممن يتحدرون من جذور لبنانية، ما زالوا يسعون لإبقاء بعض الأضواء مسلطة على الانهيار اللبناني، وربما إقناع إدارة جو بايدن بأن الانهيار التام ليس في المصلحة الأميركية.
من هؤلاء الباحثين منى يعقوبيان، التي تعمل في «معهد الولايات المتحدة للسلام»، الذي يموله الكونغرس. وفي مطالعة لها بعنوان «هل يمكنه تفادي الانهيار التام في لبنان»؟ كتبت أن الأزمة اللبنانية ستؤدي إلى موجة جديدة من النزوح، وأن «المجتمع الدولي أمام فرصة تضيق بسرعة للانخراط قبل أن يغرق لبنان في الانهيار التام»، وهو انهيار لو حصل، «سيتطلب جهداً دولياً أكثر تكلفة ويستغرق وقتاً طويلاً للتعامل معه».
وأضافت يعقوبيان أنه «فيما يقع عبء الإصلاح على الطبقة السياسية، تتطلب الأزمة الإنسانية الناشئة مساعدة فورية ومباشرة للشعب اللبناني».
وتابعت الباحثة الأميركية أن «الجهود السابقة التي بذلها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لم تنجح في معالجة الأزمة»، لكن يمكن للولايات المتحدة المشاركة بالقيام بدور محفز، بالاشتراك مع الحلفاء الأوروبيين والخليجيين، بالإضافة إلى الأمم المتحدة وصندوق النقد والبنك الدوليين.
يمكن، إذ ذاك، «اتباع نهج ذي شقين لمنع ظهور حالة طوارئ إنسانية وأمنية في لبنان»، حسب يعقوبيان، «أولاً، يمكن السعي لزيادة المساعدة الإنسانية المباشرة إلى اللبنانيين المحتاجين من خلال برامج المساعدة النقدية. وثانياً، يمكن الإفادة من قوة الحلفاء الجماعية لممارسة ضغط أكبر على الطبقة السياسية لتشكيل حكومة من الخبراء المستقلين من ذوي العقلية الإصلاحية وممن يمكنهم مباشرة الإصلاحات اللازمة التي من شأنها إطلاق حزمة إنقاذ أكبر».
وربطت الباحثة، بين إستراتيجية إدارة بايدن الموقتة للأمن القومي، التي صدرت أخيراً ووعدت فيها إدارة بايدن، بالعمل مع الحلفاء والشركاء لمواجهة الفساد، وبضرورة العمل على إيقاف «الانهيار الوشيك في لبنان كواحد من أكثر الأمثلة دراماتيكية على الفساد وسوء الإدارة».
وانضم كريستوف أبي ناصيف، «مدير برنامج لبنان في معهد الشرق الأوسط»، إلى يعقوبيان في التحذير من أن انهيار لبنان يمكنه أن يؤدي إلى موجات هجرة ونزوح واسعة إلى دول العالم، بما في ذلك إلى أوروبا، حليفة واشنطن.
وفي سلسلة قدمها المعهد للإدارة الفتية وغطّت كل مواضيع السياسة الخارجية، كتب أبي ناصيف أن «للولايات المتحدة مصلحة في أن يتعافى لبنان ويعيش اقتصادياً وسياسياً، وألا تقع البلاد في حالة فشل كامل للدولة من شأنها أن تؤدي إلى حالات طوارئ إنسانية وأمنية لا تعد ولا تحصى لأميركا ولأوروبا»، خصوصا أن «لبنان يستضيف عدداً كبيراً من اللاجئين السوريين والفلسطينيين، ممن قد يجدون طريقهم»، فضلاً عن اللاجئين اللبنانيين، إلى «الخارج بما في ذلك أوروبا».
بدوره، اقتبس الباحث في معهد كارنيغي للأبحاث آرام نرغوزيان، من الخطاب الذي أدلى به قبل فترة وجيزة قائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون، سأل فيه السياسيين «إلى أين نحن ذاهبون؟ ماذا تنتظرون؟ ما الذي تخططون أن تفعلونه؟ لقد حذرنا أكثر من مرة من خطورة الوضع».
واعتبر نرغوزيان أن كلمة عون شكّلت «أول انتقاد صريح يوجهه مسؤول عسكري كبير ضد الطبقة السياسية منذ بدء انهيار لبنان في أواخر عام 2019».
وأشار نرغوزيان إلى ما يبدو وكأنه أولى بوادر التمرد العسكري على أوامر السلطة السياسية، وكتب: «تحدث قائد (الجيش) في العاشرة صباحا، (ثم) ظهراً، دعا الرئيس ميشال عون الجيش إلى إخلاء الشوارع (من المتظاهرين)، وبحلول الساعة الخامسة مساء، لم يتم اتخاذ أي إجراء».
لذلك، يرى نرغوزيان أن لبنان يبدو وكأنه «دخل المجهول من حيث العلاقات المدنية - العسكرية».
وفي ما يتعلق بالإنفاق العسكري، قال نرغوزيان إنه مع «آثار التضخم المالي، فإن التقديرات الداخلية للقوات المسلحة تشير إلى أن الحساب الجاري يمكن أن يدعم رواتب العسكريين وعقد الأجور حتى نهاية يونيو المقبل».
بعد ذلك، يضيف الباحث اللبناني الأميركي، «إما توافق الحكومة اللبنانية على التمويل الإضافي، أو ستضطر القوات المسلحة إلى تعليق تسديد مرتبات العاملين لديها بأعداد متزايدة، أو ستضطر قيادة الجيش لأن تستعين بموارد الميزانيات الأخرى المخصصة للاستعدادات والتنقل».
وفيما يتعذر القول إن انهيار القوات المسلحة أصبح وشيكاً، «لا يمكن قول الشيء نفسه عن حركتها وفعاليتها التي يعيقها الانهيار الاقتصادي».
وختم نرغوزيان بأن ما فعله العماد عون فعلياً هو أنه «دق ناقوس الخطر»، وسأل الطبقة السياسية «عما إذا كانت تريد للبنان جيشاً أم لا»، وحذرها من أنه «مع تصاعد الاستياء الشعبي، قد لا يتمكن السياسيون من الاعتماد على الجيش لحمايتهم، ناهيك عن مواجهة المتظاهرين».