ومرة أخرى ... فوبيا الدستور


يظهر ان «فوبيا الدستور» في الكويت اكبر من المتوقع واقوى من ان تعالج في مقال او افتتاحية، فعندما ناشدنا صاحب السمو الامير ان يتدخل بالادوات الدستورية التي يملكها وبصلاحياته لوقف حالة الانقسامات الطائفية والمذهبية والقبلية والمناطقية ولو اقتضى الامر الحسم وبتر العلة، ووجهنا بانتقاد وهجوم وتساؤل واستغراب حول معنى الحسم وآفاق الحسم ووسائل الحسم، وذهب اصدقاء ومحبون الى التمني علينا بأن نوضح ان ما قلناه عن مخاطر الفتنة الطائفية لا علاقة له بمحاولات بعضهم الانقضاض على الدستور.
... إنها فعلا «فوبيا الدستور».
عندما نكتب عما نراه أمامنا يوميا ونحذر من مخاطره على استقرار الشارع والوحدة المجتمعية. عندما نسمع التراشق الكلامي المماثل لتراشق عصر الجاهلية وهو يكاد يتحول الى تراشق غير كلامي لا قدر الله. عندما نرصد تجارب الآخرين القريبة والبعيدة وندرك ان الحرب أولها كلام وان تخصيب الفتن والمذابح والتفجيرات المتنقلة يبدأ بغسل الادمغة وتحويل كل القضايا التنموية والوطنية الى قضايا طائفية او قبلية. وعندما ندعو ولي الامر وندعو انفسنا قبله الى مواجهة ذلك كله لأن المسؤولية مشتركة ولأن الأمن والاستقرار والوحدة هي نتاج ثقافة مجتمع مدني قائم على المؤسسات والحريات لا على الغرائز والفوضى... فإننا ندعو الى تكريس التمسك بالدستور والمؤسسات والديموقراطية والقوانين لانها العاصمة من الانزلاق الى درك لا نريده.
كتبناها ونكررها: «السارق والمفسد والمرتشي والقاتل والمزور والمسؤول عن خطأ في مشروع ادى الى كارثة والمحتال والنصاب والمغتصب والمعتدي على المال العام أو على اعراض الناس والخائن وحامل معول الهدم للوحدة الوطنية وسكين الانقسامات الدينية والمذهبية والمناطقية والاجتماعية... وغيرهم وغيرهم، يتعامل معهم القانون ولا حاجة أبدا لنهرب من تسمية الامور بمسمياتها فنصرخ دفاعا عن الدستور بينما المطلوب بكل بساطة ان نطبق القانون».
ثم اننا عندما نحذر من الانقسامات الطائفية والقبلية والمناطقية فإننا نحذر من المساس بالدستور لانه نقيضها.
بدل «فوبيا الدستور» ليتنا نعيش «فوبيا القانون»، لان المطلوب تطبيق القانون ووقف الانتهاك للقانون وعدم تجاوز القانون. اما الدستور فهو الضابط المنظم لعمل الدولة بسلطاتها ومؤسساتها وآليات الحكم وهو الحصن والملاذ للديموقراطية والحريات العامة التي صارت جزءا لا يتجزأ من اصلاح لا يستقيم من دون اعتراض او رقابة او محاسبة.
والتباهي بدستور الكويت لا تمليه فقط مشاعر الوطنية والانتماء بل عناصر المصلحة العامة، فالمشاركة الشعبية في السلطة يفترض ان تكون سيفا على الفساد يحمله المسؤول لا سيفا على المسؤول يحمله فاسدون.
قبل سنوات هطل مطر على الكويت كانت نسبته اقل من النسبة التي هطلت الاسبوع الماضي. يومها، غرقت الديرة وسقط عدد كبير من الضحايا وتدمرت منشآت وتضررت مؤسسات. تحرك الناس في الاطار الذي يسمح به الدستور ويشجع عليه. تحرك ممثلو الامة في الاطار الذي يسمح به الدستور ويشجع عليه. تحركت مؤسسات وهيئات المجتمع المدني في الاطار الذي يسمح به الدستور ويشجع عليه. حصلت ضجة. نقمة. غضب، وتعالت الاصوات مطالبة بالمحاسبة والتعويض واصلاح ما تضرر، ثم اتخذت السلطات المعنية سلسلة اجراءات لتلافي تكرار ما حصل ولم تعد الديرة تغرق بشبر ماء.
المشاركة في السلطة التي أمنها الدستور كانت خطوة إصلاحية وسيفا بيد المسؤول ضد التقصير والفساد وسوء الادارة.
وزوابع المطر ليست اقل اهمية من رياح الانهيار الاقتصادي العاتية التي اجتاحت العالم، وهنا لا بد ايضا من التذكير بأهمية ارتكاز البنيان الكويتي على اسس اسمها المؤسسات، واهمية ان نكون في دولة مؤسسات رغم كل الشوائب التي اعترف قادتنا قبل غيرهم بأن البعارين لا تحملها.
في اقسى الظروف واصعبها، شبهنا الكويت ونشبهها دائما بأنها شجرة جذرها يمتد خمسين مترا في باطن الارض وجذعها لا يرتفع عن الارض اكثر من متر (وتحديدا في العقود الثلاثة الماضية ونتيجة ظروف يعرفها الجميع). فيما غيرنا يشبه شجرة جذعها فوق الارض 50 مترا وجذرها لا يتجاوز المتر في باطن الارض. شجرة الكويت قد لا تلفت النظر اذا كان الجو صحوا وهادئا لكن صلابتها امام العواصف تخطف انظار العالم. طبعا هذا الكلام لا يعفينا من الحرص على تأمين كل مقومات النمو الطبيعي لشجرة كبيرة وافرة الظلال، لكنه يشعرنا ايضا بالامن والامان ومواجهة الصعاب كوننا نرتكز على مؤسسات راسخة حصنها الدستور ورعاها الدستور ونظم عملها الدستور.
التحذير من الفتنة الطائفية يعني تحذيرا من الفتنة الطائفية. الخوف من الانقسام المذهبي يعني خوفا من الانقسام المذهبي. الخشية من المساس بالوحدة الوطنية من خلال اللعب على اوتار قبلية ومناطقية يعني خشية من المساس بالوحدة الوطنية. دعوة صاحب السمو الى الحسم تعني الدعوة الى حماية الامن والاستقرار والوحدة والمجتمع والوطن.
هل هناك من حاجة اضافية لشرح ما لا يحتاج الى شرح؟ الاجابة واضحة والواقع اوضح والخلاصة «اوضحين».
الاجابة: لا ليست هناك حاجة اضافية للشرح.
الواقع: سيخرج بعض «العباقرة» بنتيجة ان المقال يدعو الى تعليق الدستور.
الخلاصة: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
جاسم بودي
... إنها فعلا «فوبيا الدستور».
عندما نكتب عما نراه أمامنا يوميا ونحذر من مخاطره على استقرار الشارع والوحدة المجتمعية. عندما نسمع التراشق الكلامي المماثل لتراشق عصر الجاهلية وهو يكاد يتحول الى تراشق غير كلامي لا قدر الله. عندما نرصد تجارب الآخرين القريبة والبعيدة وندرك ان الحرب أولها كلام وان تخصيب الفتن والمذابح والتفجيرات المتنقلة يبدأ بغسل الادمغة وتحويل كل القضايا التنموية والوطنية الى قضايا طائفية او قبلية. وعندما ندعو ولي الامر وندعو انفسنا قبله الى مواجهة ذلك كله لأن المسؤولية مشتركة ولأن الأمن والاستقرار والوحدة هي نتاج ثقافة مجتمع مدني قائم على المؤسسات والحريات لا على الغرائز والفوضى... فإننا ندعو الى تكريس التمسك بالدستور والمؤسسات والديموقراطية والقوانين لانها العاصمة من الانزلاق الى درك لا نريده.
كتبناها ونكررها: «السارق والمفسد والمرتشي والقاتل والمزور والمسؤول عن خطأ في مشروع ادى الى كارثة والمحتال والنصاب والمغتصب والمعتدي على المال العام أو على اعراض الناس والخائن وحامل معول الهدم للوحدة الوطنية وسكين الانقسامات الدينية والمذهبية والمناطقية والاجتماعية... وغيرهم وغيرهم، يتعامل معهم القانون ولا حاجة أبدا لنهرب من تسمية الامور بمسمياتها فنصرخ دفاعا عن الدستور بينما المطلوب بكل بساطة ان نطبق القانون».
ثم اننا عندما نحذر من الانقسامات الطائفية والقبلية والمناطقية فإننا نحذر من المساس بالدستور لانه نقيضها.
بدل «فوبيا الدستور» ليتنا نعيش «فوبيا القانون»، لان المطلوب تطبيق القانون ووقف الانتهاك للقانون وعدم تجاوز القانون. اما الدستور فهو الضابط المنظم لعمل الدولة بسلطاتها ومؤسساتها وآليات الحكم وهو الحصن والملاذ للديموقراطية والحريات العامة التي صارت جزءا لا يتجزأ من اصلاح لا يستقيم من دون اعتراض او رقابة او محاسبة.
والتباهي بدستور الكويت لا تمليه فقط مشاعر الوطنية والانتماء بل عناصر المصلحة العامة، فالمشاركة الشعبية في السلطة يفترض ان تكون سيفا على الفساد يحمله المسؤول لا سيفا على المسؤول يحمله فاسدون.
قبل سنوات هطل مطر على الكويت كانت نسبته اقل من النسبة التي هطلت الاسبوع الماضي. يومها، غرقت الديرة وسقط عدد كبير من الضحايا وتدمرت منشآت وتضررت مؤسسات. تحرك الناس في الاطار الذي يسمح به الدستور ويشجع عليه. تحرك ممثلو الامة في الاطار الذي يسمح به الدستور ويشجع عليه. تحركت مؤسسات وهيئات المجتمع المدني في الاطار الذي يسمح به الدستور ويشجع عليه. حصلت ضجة. نقمة. غضب، وتعالت الاصوات مطالبة بالمحاسبة والتعويض واصلاح ما تضرر، ثم اتخذت السلطات المعنية سلسلة اجراءات لتلافي تكرار ما حصل ولم تعد الديرة تغرق بشبر ماء.
المشاركة في السلطة التي أمنها الدستور كانت خطوة إصلاحية وسيفا بيد المسؤول ضد التقصير والفساد وسوء الادارة.
وزوابع المطر ليست اقل اهمية من رياح الانهيار الاقتصادي العاتية التي اجتاحت العالم، وهنا لا بد ايضا من التذكير بأهمية ارتكاز البنيان الكويتي على اسس اسمها المؤسسات، واهمية ان نكون في دولة مؤسسات رغم كل الشوائب التي اعترف قادتنا قبل غيرهم بأن البعارين لا تحملها.
في اقسى الظروف واصعبها، شبهنا الكويت ونشبهها دائما بأنها شجرة جذرها يمتد خمسين مترا في باطن الارض وجذعها لا يرتفع عن الارض اكثر من متر (وتحديدا في العقود الثلاثة الماضية ونتيجة ظروف يعرفها الجميع). فيما غيرنا يشبه شجرة جذعها فوق الارض 50 مترا وجذرها لا يتجاوز المتر في باطن الارض. شجرة الكويت قد لا تلفت النظر اذا كان الجو صحوا وهادئا لكن صلابتها امام العواصف تخطف انظار العالم. طبعا هذا الكلام لا يعفينا من الحرص على تأمين كل مقومات النمو الطبيعي لشجرة كبيرة وافرة الظلال، لكنه يشعرنا ايضا بالامن والامان ومواجهة الصعاب كوننا نرتكز على مؤسسات راسخة حصنها الدستور ورعاها الدستور ونظم عملها الدستور.
التحذير من الفتنة الطائفية يعني تحذيرا من الفتنة الطائفية. الخوف من الانقسام المذهبي يعني خوفا من الانقسام المذهبي. الخشية من المساس بالوحدة الوطنية من خلال اللعب على اوتار قبلية ومناطقية يعني خشية من المساس بالوحدة الوطنية. دعوة صاحب السمو الى الحسم تعني الدعوة الى حماية الامن والاستقرار والوحدة والمجتمع والوطن.
هل هناك من حاجة اضافية لشرح ما لا يحتاج الى شرح؟ الاجابة واضحة والواقع اوضح والخلاصة «اوضحين».
الاجابة: لا ليست هناك حاجة اضافية للشرح.
الواقع: سيخرج بعض «العباقرة» بنتيجة ان المقال يدعو الى تعليق الدستور.
الخلاصة: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
جاسم بودي