إدارة بايدن تبدو عاجزة أمام تصعيد إيران... وتُقدّم حلفاءها كـ «تنازلات»
- سمايث لـ«الراي»:
- في حال قابل بايدن التصعيد بتصعيد يكون «قد تعلّم من أخطاء 2015»
- العودة للاتّفاق النووي «لن تكون سريعة أو سهلة»
- الإيرانيون اعتبروا انفتاح بايدن بمثابة رخصة للاستمرار في الاعتداءات
- طهران أدركت أنّ قوّتها الحقيقية تكمن في الجماعات التي تعمل بالوكالة عنها
انضم الرئيس الأفغاني أشرف غني، إلى لائحة الحلفاء ممن أبدت الولايات المتحدة استعدادها تقديمهم للنظام الإيراني كعربون صداقة وجزء من خطة «بناء الثقة» بين البلدين للعودة للاتفاقية النووية، التي خرجت منها الولايات المتحدة في مايو 2018.
وسبق لإدارة الرئيس جو بايدن، منذ تسلمها الحكم منتصف يناير الماضي، أن قدّمت تنازلات لطهران في اليمن، بقيامها برفع الحوثيين عن لائحة التنظيمات الإرهابية، كما قامت بـ «إعادة النظر» بصفقات أسلحة مع حكومات خليجية، في خطوة اعتبرها خبراء على أنّها للتقرب من ايران.
وأرسل وزير الخارجية انتوني بلينكن رسالة إلى غني، دعاه فيها الى تشكيل حكومة وحدة وطنية انتقالية بمشاركة حركة «طالبان»، مع تهديد ضمني بأن القوات الأميركية ستنسحب مع نهاية مايو المقبل من افغانستان في حال تعثرت التسوية السياسية.
ودعت واشنطن، كابول، إلى التنسيق مع القوى الخارجية، منها طهران، للتوصل الى تشكيل الحكومة العتيدة، وهو ما اعتبره مراقبون ايعازاً من واشنطن للحليف الافغاني لتقديم تنازلات للايرانيين في محاولة أميركية لخطب ود طهران.
على أنّ كل التنازلات التي قدمتها إدارة بايدن إلى النظام الايراني لم تؤد إلى تحسين العلاقات بين الطرفين، بل ان طهران مضت في عملية تصعيدية على كل الجبهات، فأطلقت العنان لبرنامجها النووي بزيادة كميات ونسب تخصيب اليورانيوم، وباعلانها أنها لا تنوي المشاركة في مفاوضات نووية مع الأميركيين، كان دعا اليها الأوروبيون، رغم اعلان واشنطن نيتها المشاركة.
على الأرض، مضت كل الميليشيات الموالية لايران، في عموم المنطقة، في تصعيد عسكري.
في اليمن، شن الحوثيون هجوماً على مأرب، وضاعفوا عدد المسيرات المفخّخة والصواريخ التي أطلقوها على السعودية، بما في ذلك «درون» استهدفت منشآت نفطية في رأس تنورة، قبل اعتراضها.
وفي العراق، شنّت الميليشيات الموالية لإيران هجمات متتالية ضد القواعد التي تؤوي مستشارين عسكريين أميركيين، ما أدى إلى مقتل متعاقد عسكري غير أميركي في هجوم، ومتعاقد أميركي في هجوم ثانٍ.
وبين الهجومين، حاولت إدارة بايدن حفظ ماء الوجه باظهارها أنها قادرة على فصل المفاوضات النووية، التي سبق للادارة أن اعلنتها الحجر الأساس في سياستها الخارجية خصوصا في الشرق الأوسط والخليج، عن المواجهات في الملفات الأخرى، مثل المواجهات العسكرية ضد الميليشيات الموالية لطهران، فشنّت ضربة جوية ضد قاعدة تابعة لـ «كتائب حزب الله» على الحدود السورية مع العراق.
وانتقد بعض المراقبين، خصوصاً من الجمهوريين ومؤيدي الرئيس السابق دونالد ترامب، الضربة التي اعتبروها صغيرة.
ثم بعد الهجوم الثاني، الذي تبنته «كتائب حزب الله»، أصبح المعنيون الأميركيون في حال ترقب حول ردة الفعل المقبلة التي سيقوم بها بايدن ليجبر ايران على التوقف عن مهاجمة قواته في العراق.
لكنّ الباحثين الأميركيين عموما أثنوا على الضربة الأولى، واعتبروا أن «بايدن تعلم من إخفاقات الرئيس (السابق) باراك أوباما في الرضوخ للاعتداءات الإيرانية كمحاولة لكسب ود طهران».
وقال الباحث في «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى» فيليب سمايث إن «الإيرانيين اعتبروا (انفتاح بايدن عليهم ديبلوماسياً) بمثابة رخصة للاستمرار في الاعتداءات من دون أي خوف من العواقب».
وصرّح سمايث لـ «الراي»، بأن بايدن قد يكون «شن حملة من أجل تجديد الديبلوماسية»، لكنّه أشار أيضاً إلى أن العودة للاتفاق النووي «لن تكون سريعة أو سهلة»، وحذّر من سوء السلوك الإقليمي لإيران.
وتابع أنّ طهران أدركت أنّ «قوتها الحقيقية تكمن في الجماعات التي تعمل بالوكالة عنها في أنحاء المنطقة. وهو افتراض ذكي، مبني على الحقيقة التاريخية المتمثلة في أن إيران كانت قادرة، في نصف العقد الماضي، على توسيع نفوذها إلى ما وراء حدودها، مع الإفلات من العقاب في الوقت نفسه، معتمدة على يأس أميركا وسعيها للتوصل إلى اتفاق نووي».
لكن الى أي حد تعلم بايدن من يأس أوباما للتوصل لاتفاق نووي؟ ضربة بايدن في سورية خالفت سياسة أوباما، لكن سعي فريقه الى تسويات ديبلوماسية في مصلحة ايران، ان في اليمن أو في أفغانستان، دليل استجداء لطهران للعودة للمفاوضات النووية والاتفاق، ما يعني، أنّه على عكس ما كان أعلن البيت الأبيض، فإن الاتفاقية النووية لن تتم بمعزل عن الملفات الأخرى، بل ان طهران تجبر واشنطن على التنازل في هذه الملفات كمدخل للاتفاقية النووية.
وتناقل باحثون أميركيون أن سياسة التصعيد الايرانية تربك فريق بايدن، وأنه في وقت كانت سياسة ترامب تقضي بـ «الضغط الأقصى»، فإنّ سياسة إيران تجاه بايدن تقضي «بإنزال أقصى الذل به» واجباره على العودة للاتفاقية النووية من دون ترك أي هامش له للمناورة.
ويقول سمايث إنه إن كان بايدن صادقاً في أنّه ليس مستميتاً للعودة للاتفاقية، فالمطلوب ألا تكون ضربته في سورية «يتيمة»، وأنّه في حال قابل التصعيد الإيراني بتصعيد عسكري مشابه، يمكن حينذاك اعتبار أنّه «تعلم من كل أخطاء 2015».
أما إذا قابلت أميركا التصعيد، بتصعيد مشابه، ومع ذلك واصلت طهران تصعيدها النووي، يرى صقور السياسة الخارجية أنّ الرد يعتمد على أمرين: الأول أنّ المجتمع الدولي بأكمله، لا ايران وحدها، مسؤول عن الملف النووي وعليه التعامل مع الموضوع وايقافها، والثاني أن الاقتصاد الايراني ماضٍ في الانهيار.
ويتناقل الخبراء الأميركيون أحدث التقارير الاقتصادية الايرانية. وفي هذا السياق، أشار موقع «ايران فوكوس» إلى أنّه «بحسب مركز الإحصاء الجمركي الإيراني، فإنّ معدل تضخم السلع المستوردة في خريف العام الجاري، مقارنة بخريف 2019 أظهر ارتفاعاً بنسبة 588 في المئة، فيما بلغت معدلات التضخم السنوية للسلع المستوردة 412 في المئة».
أي طريق ستسلكه إدارة بايدن في مواجهة التصعيد العسكري؟ هل ترد بتصعيد مماثل وتعتمد على بقاء العقوبات التي تحدث انهياراً شبه تام في الاقتصاد الايراني، أم تواصل محاولة كسب ود طهران بتقديم تنازلات ديبلوماسية وفي اليمن وأفغانستان وغيرهما؟ الاجابة قد تأتي في حال قامت واشنطن برد ثانٍ على الهجوم الثاني لميليشيات إيران في العراق.