يقولون بترف: تجاهل ما يؤذيك، وأقول بألم: تجاهل ما يقولون.
كيف يمكن أن تتجاهل ما يؤذيك؟
إن كان مَن يؤذيك جزءاً منك ومن روتين يومك، الذي تعيشه هل تموت لتتجاهل؟ وقد يكون من يؤذيك شخصاً أنت مرتبط فيه، قد يكون من يؤذيك أبوك،أمك،أخوك، أختك ابنك، هل تقتلهم جميعاً؟ أو مسؤولك في العمل الذي لا تستطيع تركه، لأنه مصدر دخلك الوحيد، أو جارك الذي لا تستطيع تغيير مكان سكنك بسببه، وقد يكون سلسلة قوانين مجحفة تمسّك ولا تستطيع تغييرها، ولا تجاهلها هل تخالفها مثلاً؟ كيف بإمكانك أن تتجاهل الأشخاص والأشياء، وهي لا تتجاهلك، تعيش معك من المهد الى اللحد؟ الحل في التجاوز، أن تتجاوز الأذى مع إقرار بوجود ما يؤذيك، أن تتعايش معه، وتقبل وجوده، ولا تلغيه، لكنك لا تسمح له أن يلغي وجودك، وفي المقابل لا تتأثر به ولا تؤذيك أذيته.
هناك أشخاص يشبهون «كورونا» في حياتنا، نتعايش معهم، ومثلما نتلقى اللقاح لتقوية مناعتنا منه، فمن باب أولى أن نخترع لقاحاً يقوّي مناعتنا من جميع الذين يشكل وجودهم في حياتنا وباء! حينما يقولون بترف: تجاهل ما يؤذيك، كأنهم يقولون عرّض نفسك لعدوى الوباء ولا تمرض، لا أرى فرقاً بين الاثنين، التجاهل مع وجود الأذى جهل، نحن لا نستطيع السيطرة على مشاعر الأذى التي ترهق أرواحنا، أو غضبت أو زعلت تماماً مثلما لا نستطيع السيطرة على درجة حرارتنا إن ارتفعت أو انخفضت.
إذا كنت تستطيع توقيف شخص عن الكحة لمجرد قول: لا تكح، فأنت قادر على منع الأذى عن شخص بمجرد قول: لا تضيّق خلقك، فالأمران خارج السيطرة وكلامك لا يندرج إلا في خانة عدم الشعور بمشاعر الغير.
لا أحد يختار الأذى لنفسه ولا أحد يختار الكحة (مع الفارق)، لكن مثلما هناك أدوية وعلاجات تتطلّب أولاً الاعتراف بالمرض، لتجاوز آلامه، تستطيع أن تتجاوز أذيتهم من دون تجاهلهم بل على العكس واجه نفسك بهم.
إنهم مختلفون عنك، وقد يكون هذا أول شيء يؤذيك، مهما أنكرت، قد يكونون اعتادوا على الأخذ وأنت اعتدت على العطاء، لا تستطيع أن تمنع نفسك أن تكون نفسها، أو تصبح مثلهم فتستمر في العطاء دون أن تتوقع منهم أكثر من الأخذ، ومن حقك أن تمتنع عن العطاء لهم وتحوّل عطاءك لمن يستحقه، وقد يرزقك الله بمن يرد كل عطائك بغيرك دون أن يأخذ منك شيئاً! تذكّر حين يؤذيك جحودهم، أو معاملتهم لك بعكس معاملتك لهم، بأنهم اعتادوا على الأخذ، وأن عطاءك يؤذيهم، مثلما يؤذيك جحودهم، تجاوزهم، ولا تتجاهل حقيقة أن الحياة مليئة بالمتناقضات، ففي مقابل وجودك يوجد نقيضك في الحياة، وقد يكون أقرب الناس لك.
علينا أن ندرك أن الأذى في هذه الحياة جزء منها، وإلا لما أدركنا قيمة ومعنى الراحة.
يقولون بترف: تجاهل ما يؤذيك، وأقول بألم: تجاهل هذه الخرابيط.