هل هي خطوة دفاعية أم استعداد للحرب مع إيران؟
قرّرت أميركا نشر نظام القبة الحديد الإسرائيلية لاعتراض الصواريخ، التي اشترتها العام 2019، في دول أوروبية وعربية، حيث تعمل القيادة المركزية الأميركية CENTCOM.
وتتزامن هذه الخطوة مع قرار أميركا انضمام إسرائيل إلى غرفة عملياتها المركزية CENTCOM.
وتَعتبر إيران، بحسب مصادرها، أن نقل الأنشطة العملياتية الإسرائيلية من القيادة الأوروبية إلى القيادة الوسطى المركزية المعنية أيضاً بالشرق الأوسط خطوة عدوانية تسمح لإسرائيل باستخدام القواعد الأميركية من دون استثناء.
وكذلك تعتقد أن نشر القبة الحديد الإسرائيلية خطوة محتملة نحو هجوم عسكري استبقية محتمل ضد إيران.
وإذا رُفعت العقوبات الأميركية من دون تعديل وأخذ مخاوف الحلفاء في الاعتبار أو إذا لم تُرفع واستمرت إيران بالتصعيد نحو زيادة اليورانيوم ونسبته ونحو الانسحاب من المعاهدات ومنع المفتشين وتطوير أجهزة الطرد المركزي، فإن احتمالات الضربة الاستبقيةة غير مستبعدة لأن إيران تكون وصلت إلى ما بعد الخطوط الحمر الإسرائيلية.
فهل يتجه الشرق الأوسط نحو الحرب أم هي فقط إجراءات دفاعية؟
مصدر قيادي في إيران قال لـ «الراي» إنه «ليس لدى إيران أي نية لمهاجمة القواعد الأميركية والإسرائيلية إلّا إذا تعرّضت للهجوم أولاً.
فلا داعي للانتقام للواء قاسم سليماني بعدما قرّر البرلمان العراقي سحب جميع القوات الأجنبية وقصفت إيران القاعدة الأميركية في عين الأسد.
أما اليوم فنلاحظ انضمام إسرائيل إلى قيادة المنطقة الوسطى المركزية لتستخدم القواعد المحيطة بإيران وتنشر بطاريات صواريخ اعتراضية.
ولماذا تنشر هذه البطاريات إلّا إذا كان هناك نية بقصف إيران ويتوقعون الرد الصاروخي؟ هل يعتقدون أنهم قادرون على تدمير منشآتنا وقواتنا الصاروخية والنووية؟».
ويؤكد المصدر لـ «الراي» «أن إيران أظهرت مئات المنصات والصواريخ الإستراتيجية فوق وتحت الأرض خلال مناوراتها الأخيرة التي هدفت لتثبيت قدرة الردع وتجنب الحرب.
فمن المستحيل تدمير كل هذه القدرات، وتالياً فإن إيران تستطيع استيعاب الضربة الأولى وامتصاصها لتسدّد ضربتها ضدّ جميع الأهداف التي أعدّتْها.
وإذا أظهرت الصواريخ الإسرائيلية قدرتها على اعتراض عدد كبير من الصواريخ، فهذا يعني أن عدداً قليلاً سيصل إلى هدفه. إلّا أن هذا النظام لا يمكنه فعل الكثير عندما يغمره فيضان من الصواريخ تُطلق مرة واحدة من مواقع مختلفة».
قد تكون لدى إيران مخاوفها، إلّا أن هذا السيناريو ليس الوحيد المتوافر.
فإذا صحّ القلق الإيراني، فإن التصعيد يبدو سيد الموقف.
لكن من المستبعَد أن يبدأ الرئيس جو بايدن ولايته بحرب شرق أوسطية، خصوصاً أن لديه أولويات كثيرة داخلية وقضايا مع الصين وروسيا وإعادة اللُحمة مع الحلفاء. وتحتل إيران وسورية ولبنان والعراق وتركيا واميركا اللاتينية جزءاً مهماً ضمن جدول أعمال بايدن المزدحم.
إلّا أن من المتوقع ألا يعود بايدن إلى الاتفاق النووي من دون طلب التعديلات أولاً.
فقد عبَّر كل من وزير الدفاع لويد أوستن ووزير الخارجية أنتوني بلينكن عن أن سلوك إيران خطر وأن بايدن ليس في عجلة من أمره لتوقيع الاتفاق النووي الذي يحتاج لتفاوض مع شركاء أميركا وإضافة برنامج إيران الصاروخي وحلفاء إيران في الشرق الأوسط. وهاتان النقطتان ترفضهما إيران بشكل قاطع منذ ما قبل اتفاق 2015 وتطالب اليوم طهران برفع العقوبات أولاً ولن تفاوض «تحت النار»، أي في ظل العقوبات القاسية.
وقد أكد المرشد السيد علي خامنئي أن إيران ليست مستعجلة للاتفاق النووي وتريد رفع العقوبات ولن تتخلى عن أصدقائها. وتالياً يبدو واضحاً أن بايدن لن يعود للاتفاق بحلول 21 فبراير، وهو التاريخ الذي حددته إيران كموعد نهائي قبل أن تقدم على خطوة تصعيدية أخرى باتجاه المسار النووي الذي تخشاه أميركا وإسرائيل.
ومن المؤكد ألا يقبل بايدن بالإنذار الإيراني كي لا يَظهر ضعيفاً، إلّا ان من الممكن أن يرفع بعض العقوبات التي فرضها ترامب ويُبْقي على أخرى ليُظْهِر نوعاً من حُسن النية ويطلب المزيد من الوقت قبل الجلوس حول طاولة المفاوضات.
ولم تطلب أميركا وحدها إعادة النظر بالاتفاق النووي بل انضمت إليها أوروبا ودول الشرق الأوسط المعنية بتعاظُم قدرات إيران خصوصاً بعدما أظهرت قوتها الصاروخية البالستية الدقيقة التي يصل مداها إلى ألفْي كيلومتر. إلّا أن أوروبا ليست بمصدر قلق لأنها تخلت عن إرادتها المستقلة منذ زمن بعيد وأصبحت تتبع أميركا بالقرارات الكبيرة المهمة.
وتالياً فإن العناصر التي تدل على احتمال الحرب غير متوافرة.
فأميركا ستؤجل المفاوضات وإيران سترفع مستوى التخصيب ويرتفع مستوى التوتر من دون أن تتدحرج الأمور إلى أبعد من ذلك.
وهناك احتمال آخَر بأن ترغب إسرائيل بالوقوف كجبهة موحّدة لمنع بايدن من الاندفاع نحو إيران ورفْع جميع العقوبات عنها. وهذا ما سيجبر بايدن على الأخذ بالمخاوف والمطالب.
ومن المؤكد أن القبة الحديد تستطيع اعتراض عدد كبير من الصواريخ الإيرانية قبل وصولها إلى تل أبيب وإلى أهداف أخرى في الشرق الأوسط.
إلّا ان إيران زوّدت حلفاءها في لبنان وسورية والعراق واليمن بهذه الصواريخ الدقيقة التي تحاول إسرائيل تدمير بعض مخازنها في سورية والعراق بين الفينة والأخرى.
إلّا أن التعاون الإسرائيلي - الأميركي في غرفة عمليات واحدة لن يمنع «حزب الله» اللبناني من إغراق إسرائيل بمئات الآلاف من الصواريخ وضرب النقاط التي يخزنها في بنك أهدافه في حال الحرب.
وأحيت إيران مبادرتها مع الدول العربية التي كانت قد أطلقتها سابقاً (مبادرة هرمز) وتطلب من دول عربية صديقة ومن روسيا التدخل لحل الخلافات في المنطقة بين دول الشرق الأوسط وإيجاد خرق في الطريق المسدود والدعوة إلى حوار مباشر لضمان أمن المنطقة ومعالجة مخاوف الدول في شأن نيات إيران وتوسعها.
لكن إيران لديها موقف لن يتزحزح من ناحية الاتفاق النووي بحيث لن تقبل بإدخال أي ملف آخَر.
إلّا أن أميركا، بحسب مصادر حلفاء إيران، لن تهضم بسهولة أي تقارب يضعضع سبب وجود القواعد الأميركية في المنطقة. وتالياً، فإن أي خرق في المفاوضات التي تقترحها إيران مستبعَد حالياً.
لا يمكن لأحد اتخاذ أي قرار سوى الرئيس بايدن بغض النظر عما يقترحه مساعدوه أو حلفاؤه. إلّا أن هناك إشارة غير إيجابية تأتي باتجاه الشرق الأوسط. فبايدن يقول إنه «صهيوني» وقد دعم إسرائيل طوال 50 عاماً من حياته السياسية وهو يكرّر دعمه اللا محدود لإسرائيل.
ومع ذلك فقد ساءت العلاقة بين باراك أوباما وبنيامين نتنياهو في المدة الأخيرة لحكم الرئيس الأميركي السابق.
فهل ينجح بايدن بإيجاد التوازن؟ هل يرفع كل العقوبات عن إيران ويقبل بالاتفاق كما هو؟ لا مؤشرات واعدة اليوم.