في الجلسة التي ترأسها نائب رئيس مجلس الأمة أحمد الشحومي، قبل ثلاثة أسابيع، وأثناء مناقشة طلبين تم تقديمهما من قبل عدد من نوّاب المعارضة في شأن أحداث الشغب التي أعقبت انتخاب رئيس المجلس في الجلسة الافتتاحية، حرص العديد من النوّاب على اختطاف وقت الجلسة واستثماره في دعم المطالبات المتكرّرة بالعفو الشامل عن المدانين في قضية اقتحام المجلس.
فعوضاً عن الاستجابة إلى دعوات رئيس الجلسة الشحومي المتعاقبة بتأسيس الطلبين قانونياً، انشغل الكثير منهم في شجب واستنكار الشغب في جلسة افتتاح المجلس الحالي، واستحسان وإشادة اقتحام المجلس في نوفمبر 2011.
رغم أنّ كلمات وعبارات الإجلال والتعظيم - بحق المقتحمين - التي طرحت في تلك الجلسة سبق استخدامها في العديد من الندوات والبيانات والتصريحات الداعمة للمطالبات بالعفو الشامل عن المقتحمين، إلا أن ما يميّز ما قيل في تلك الجلسة، هو انكشاف زيفه في اليوم التالي، حين اقتحم متظاهرون أميركيون «شرفاء» مبنى الكونغرس في واشنطن لمنع «الدولة العميقة» من سرقة انتخابات رئاسة الجمهورية، وفق ادعاء مؤيّدوهم. حيث تفاجأ الكويتيون بتزاحم الإدانات على جريمة الاقتحام من كل صوب وحدب.
فعلى الصعيد الأميركي، وجّه مكتب التحقيقات الفيديرالي اتهامات متعددة إلى المقتحمين الذين اعْتُقلوا، وكان من بينها «الإخلال بالنظام العام»، كما توالت دعوات إقالة الرئيس ترامب، من قبل الذين اتهموه بتحريض المقتحمين، وكانت في مقدمتهم رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي التي طالبت نائب رئيس الجمهورية مايك بنس وأعضاء الحكومة بتفعيل التعديل الخامس والعشرين للدستور الأميركي، الذي يسمح لنائب الرئيس وغالبية أعضاء الحكومة إقالة الرئيس إذا ما وجدوا أنه غير قادر على تحمّل أعباء منصبه.
كما بدأ مجلس الشيوخ الأميركي اتخاذ إجراءات رسمية لمساءلة ترامب بتهمة التحريض على العصيان، التي من شأنها - في حالة الإدانة - فتح الباب لتصويت آخر لمنعه من الترشح في الانتخابات على المنصب مرّة أخرى.
هذه المطالبات الأميركية بإقالة ومحاكمة الرئيس المنتهية ولايته، وبسبب تزامنها مع بيانات الإدانة الدولية التي صدرت من عواصم كبيرة عدّة، دفعت ترامب وإدارته إلى إدانة الاقتحام «بأشدّ العبارات الممكنة» واعتباره «مخالفاً للقيم الأميركية»، وفق ما صرّحت به الناطقة باسم البيت الأبيض كايلي ماكيناني.
الشاهد أن الدول الديموقراطية المتحضّرة، تعتبر اقتحام البرلمان بغرض مواجهة النظام العام جريمة تهدّد أمنها الوطني، وليس خياراً سياسياً لتسجيل الاحتجاج.
وهذا ما أكّده تصريح الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن معتبراً فيه اقتحام مبنى الكونغرس هجوماً على الديموقراطية، وأن ذلك اليوم أحد «أحلك الأيام» في تاريخ الولايات المتحدة، وأنه لا يجرؤ على وصف المقتحمين بالمحتجّين، لأنهم «متمردون وإرهابيون» محلّيّون.
وهو الموقف الذي عزّزه تصريح رئيسة مجلس النوّاب الذي اعتبرت فيه الاقتحام محاولة انقلاب من جانب الرئيس ترامب وأنصاره.
وأما في الكويت، ورغم مرور ثلاثة أسابيع، فإن النوّاب - والذين منهم المخضرمون والمستجدون الأكاديميون وغير الأكاديميين المتخصصين في العلوم السياسية والمتخصصين في العلوم الأخرى - الذين أوهموا مؤيّديهم أن اقتحام المجلس قضية سياسية غير أمنية، لم يعلّقوا على أحداث اقتحام الكونغرس ولا على ردود الفعل الأميركية وغير الأميركية، ومنها تلك التي صدرت من عواصم دول عريقة في الممارسة الديموقراطية.
هؤلاء النوّاب مطالبون اليوم بالاعتذار للكويت قيادة وشعباً، حالهم كحال النوّاب الذين اقتحموا المجلس. ومطالبون أيضاً بتقويم مواقفهم من طلبات العفو الشامل، بدءاً بسحب الاقتراحات بقوانين في شأن العفو الشامل التي قدّموها للمجلس، ثم تقديمها بعد إعادة صياغتها بحيث تستبعد أو تشتمل جميع المدانين في القضايا الأمنية - الذين لم تُلطّخ أيديهم بالدماء - من دون استثناءات فئوية... «اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه».
abdnakhi@yahoo.com