منذ شهرين تقريباً أرسلت لي إحدى صديقاتي دعوة لحضور حفل توقيع رواية لابنتها، ولا أدري كيف أصف لكم حجم استغرابي عندما تلقيت الدعوة عبر رسالة من «الواتساب»، فأنا طوال سنوات معرفتي بها لم أسمع منها أبداً أن لدى ابنتها موهبة الكتابة أو حتى القراءة، وحتى لو كانــت لديها المـــوهبة فلمَ التسرع بنشر كتاب لها وهي فتاة صغيرة لم تتعدَ العشرين عاماً، ومن المؤكد أن تحصيل قراءاتها لن يتعدى السنتين أو الثلاث سنوات.
هذا لو كانت تقرأ بالفعل وبطريقة صحيحة للتعلم ؟!
فأنا كمثال بدأت تظهر بوادر الاهتمام بالجوانب الأدبية منذ أن كان عمري خمسة عشر عاماً، ولكنني لم أقدم على نشر روايتي الأولى (صاحبة المانشيت) مع دار ذات السلاسل إلا قبل ثلاثة أعوام، رغم أنني أصدرت قبلها أربعة إصدارات على حسابي الخاص تحوي مقالات في التنمية البشرية وقصصاً قصيرة جداً، وحوارات قصصية، وكنت أقدمها كهدية لأصحابي ومعارفي ولم أطرحها في السوق. لأنني أعتقد وفي عمق ذاتي بأن ما سأقدمه لاحقاً هو الأجمل.
وفعلاً... كان الصدى الذي تلقيته بعد نشر روايتي «صاحبة المانشيت» من النقاد والقراء كان رائعاً ومبهجاً، حتى أنهم طالبوني بتحويلها إلى مسلسل تلفزيوني لما فيها من أحداث كثيرة وجميلة، جعلني أشعر بأن قراري في تقديم روايتي بهذا التوقيت كان لصالحي، فالنضج الفكري والعاطفي والبلاغي من أهم شروط نجاح الروايات.
فلم أرَ رواية نجحت وحازت إعجاب النقاد إلا بعد أن توافرت بها كل هذه الأسباب، واستطاعت فهم أسرار الوصول إلى قلب القارئ ولامست كينونته وإنسانيته وتحدثت عن همومه وهموم من حوله، وقدمت له الحلول بطريقة سلسة ومقنعة، كأنها تأخذه عبر خياله في رحلة بعيدة، وتظل تستمر في مطاردته وتراوده في واقعه، ولا يتنصل منها لشدة المتعة التي أسرته خلال رحلة الاندماج في قراءتها.
هذه هي الرواية وهذه هي القصة إن لم تسيطر على عواطف القارئ وتسحب معها عقله... فلن تكون! أيها الكاتب... كن ذكياً قبل إصدار كتابك لأنك ستتعامل مع قراء مختلفين منهم الذكي... ومنهم الهاوي، فهم من سيرفعون من قيمة عملك إن كان حسناً، أو يخسفون به أرضاً إن شعروا أنهم قد اهدروا مالهم على كتاب سخيف.
فلا تكن أنت من تقيّم عملك لأنك لن ترى الخلل في مؤلفك، أو تطلب ذلك من أشخاص ليس لهم قدرة على النقد الأدبي فهؤلاء لن ينفعوك أبداً، أو من أشخاص يحبونك ويشجعونك، لأنك فقط عزيز عليهم لأن عاطفتهم ستغلب عليهم!
فالتقييم الحقيقي يكون من المؤلفين المتمرسين والنقاد الحقيقيين، وأذكر أن أحد المؤلفين عندما سألوه عن رواية رديئة علا صيتها لفترة بسبب شهرة الإعلامي الذي قام بتأليفها... قال: لو استطعت في هذا الشتاء أن أجمعها مكان الحطب لأتدفئ بها فلن أتردد في ذلك، لأخلص ساحة الأدب من تفاهتها!
نصيحة لكل مؤلف: إن أردت لروايتك أو قصتك أن تحتل (مانشيت) الصحف... فلا تقبل أبداً... أن تكون أقل مما وصلت إليه بطلة قصتي في روايتي«صاحبة المانشيت»، مع تمنياتي لكل صاحب فكر نير بالنجاح والتوفيق.